ترامب في الرياض: تعاون استراتيجي لتعزيز النمو وحل الأزمات

يصل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى المملكة العربيَّة السعوديَّة اليوم الثلاثاء، في زيارة مرتقبة تُعدُّ الأولى له خارجيًّا منذ عودته إلى البيت الأبيض، بعد مشاركته في جنازة البابا فرنسيس في الفاتيكان، يحضر خلالها قمَّة خليجيَّة أمريكيَّة، وقد يلتقي خلالها بقادة عرب وأجانب. ويزور بعدها قطر والإمارات، وليس اسرائيل التي تشهد العلاقة معها توترًا واضحًا.
وتستمر زيارة المملكة من 13 إلى 16 مايو، في خطوة تؤكِّد عمق العلاقات الإستراتيجيَّة بين واشنطن والرياض، الممتدة على مدى تسعة عقود.
الزيارة تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني، ودفع جهود الدبلوماسيَّة الإقليميَّة، إلَّا أنَّها تأتي في ظل تحدِّيات معقدة وأجواء مشحونة إقليميًّا. فهل تنجح في تحقيق جميع أهدافها؟
تُعدُّ العلاقات بين الولايات المتحدة والسعوديَّة من أقوى التحالفات في الشرق الأوسط، ويجمع البلدين تاريخ طويل من التعاون في مجالات الطاقة والدفاع والاستثمار. وقد شهدت هذه العلاقة قفزة نوعيَّة خلال ولاية ترامب الأُولى (2017- 2021)، حينما اختار الرياض كوجهةٍ أُولى له في عام 2017، ووقع خلالها صفقات ضخمة قُدِّرت بنحو 400 مليار دولار، شملت قطاعات الدفاع والبنية التحتيَّة، وإنْ لم تستكمل في عهد الرئيس بايدن، وفقًا لـ»رويترز».
اليوم، تعود الشراكة إلى الواجهة بصيغة جديدة تشمل صفقات في مجالات الدفاع، والتقنية، والصناعة، مع توقُّعات باستثمارات سعوديَّة تصل إلى تريليون دولار في الاقتصاد الأمريكي خلال أربع سنوات، بحسب موقع «أكسيوس».
وتعزِّز العلاقة الشخصيَّة بين ترامب، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، التي تجدَّدت بعد اتِّصالات مبكِّرة أعقبت فوز ترامب في نوفمبر 2024، زخم هذه الزيارة. وتظل السعوديَّة شريكًا رئيسًا في مواجهة النفوذ الإيراني، وتعزيز الاستقرار الإقليمي، ما يجعلها رقمًا كبيرًا لا غنى عنه في الحسابات الأمريكيَّة.
تنطلق أهداف زيارة ترامب من ثلاثة محاور رئيسة: اقتصادي، أمني، ودبلوماسي، وتركِّز على تعزيز الحضور الأمريكي في المنطقة.
فعلى الصعيد الاقتصاديِّ يسعى ترامب لتأمين استثمارات سعوديَّة ضخمة، خاصَّةً في قطاعات الطاقة النوويَّة المدنيَّة، والدفاع، والبنية التحتيَّة. ويشير تقرير نشرته الواشنطن بوست أمس، الاثنين، إلى احتمال تجاوز الاستثمارات السعوديَّة الرقم المعلن سابقًا (600 مليار دولار).
وعلى الجانب الأمني، فمن أبرز الملفات المطروحة التوتر مع إيران، استقرار اليمن، والحرب في غزَّة التي أودت بحياة أكثر من 52 ألف فلسطينيٍّ، وإصابة ضعف ذلك، وتسبَّبت في نزوح قرابة 420 ألفًا. ووفق تقارير إعلاميَّة أمريكيَّة، قد يعلن ترامب خلال الزيارة اعترافًا بدولة فلسطينيَّة، مع مبادرة تشارك فيها واشنطن وقيادات عربيَّة وفلسطينيَّة مستقلَّة لتشكيل حكومة انتقاليَّة في غزَّة، تتولَّى ملفات الأمن والمساعدات الإنسانيَّة، وإعادة الإعمار من دون مشاركة إسرائيل، أو حماس.
كما يتوقَّع أنْ تضغط الرياض لرفع العقوبات عن الحكومة السوريَّة الجديدة، مقابل التزام بشروط أمريكيَّة، منها تدمير الأسلحة الكيميائيَّة، ومكافحة الإرهاب. وأنْ تسعى لإنهاء أزمة السودان، وعزلة لبنان، ومهددات الأردن.
وتتناول الزيارة أيضًا دور المملكة كوسيط دولي، خصوصًا في الحرب بين روسيا وأوكرانيا، حيث سبق أنْ استضافت الرياض محادثات بين موسكو وواشنطن، كما أنَّ التوترات مع إيران، والأوضاع في سوريا، تتطلَّب تنسيقًا أمنيًّا وسياسيًّا أعمق.
الزيارة مرشَّحة لتحقيق مكاسب اقتصاديَّة كبيرة، خاصَّةً مع التفاهمات المرتقبة في مجال الطاقة النوويَّة المدنيَّة، وإقامة منتدى الاستثمار السعوديِّ الأمريكيِّ في الرياض بنفس توقيت الزيارة، وبحضور قادة كُبْرى الشركات والبنوك في البلدين في مجالات تشمل الدفاع، التقنية، الذكاء الاصطناعي، الطاقة، الأغذية، مواد البناء، الاتصالات، النقل، والخدمات الصحيَّة.
ويعكس المنتدى، متانة العلاقات الاقتصاديَّة، حيث بلغ حجم التجارة بين البلدين 129 مليار ريال (34.4 مليار دولار) في 2023، مع توقُّعات بزيادة التبادل التجاري وجذب استثمارات أمريكيَّة للمشروعات الكُبْرى في إطار رُؤية السعودية 2030.
وأمنيًّا، من المرجَّح أنْ تسهم القمَّة في ترسيخ التحالف التقليدي بين البلدين بتوقيع اتفاقيات دفاعيَّة وأمنيَّة تدعم جهود الاستقرار الإقليمي. أمَّا دبلوماسيًّا، فهي فرصة لتعزيز دور السعوديَّة كلاعب دوليٍّ محوريٍّ، ومنصَّة كونيَّة لصناعة السلام، خاصة في الملف الأوكرانيِّ، وربما في ملفات أُخرى كملف الاتفاق النووي مع طهران، والخلافات التجاريَّة الدوليَّة.
الرياض وواشنطن، إذًا، أمام اختبار جديد لقوة تحالفهما، تحالف قد يُعاد تشكيله بما ينعكس على توازنات المنطقة لسنوات مقبلة.
X: @Kbatarfi