كيف نحمي غزة والشرق الأوسط؟

كيف نحمي غزة والشرق الأوسط؟

‏لم تكتفِ إسرائيل بتدمير أكثر من 90% من قطاع غزَّة، وقتل أكثر من 52.000 فلسطينيٍّ، وإصابة حوالى 120.000 آخرين بجروح، وكسور، وإعاقات مُستدامة، مع خروج المستشفيات عن العمل جرَّاء استهدافها وتدميرها بمن فيها من الطواقم الطبيَّة والأدوية والأجهزة، في بربريَّة لم يشهد لها التاريخ مثالًا!! لتعلن إسرائيل توسيع دائرة العمليَّة العسكريَّة في القطاع، والبقاء به، وعدم الخروج منه.. وتنفيذ ما يُسمَّى بعمليَّة (عربات جدعون)، وهو اسم مُقتبس من الأساطير التوراتيَّة التي يلجأ لها اليهود؛ لتبرير القتل والتدمير لغزَّة، وهي الطبيعة الدِّينيَّة الغيبيَّة لفتح أبواب الجحيم التي يُنفِّذها نتنياهو؛ لإفراغ غزَّة من أهلها.. لتصبح اليوم واقعًا يُكابده الفلسطينيون، حيث تم استدعاء الآلاف من الجنود الاحتياطيِّين للعمليَّة العسكريَّة، لمزيد من الإبادة الجماعيَّة، وإجبار آخرين على الرحيل.

‏هذا التوحش الإسرائيلي يلجأ له العدو، بعد الصمت الدوليِّ تجاه الفظائع التي تقوم بها إسرائيل، منذ 7 أكتوبر الماضي، وحتى الآن.. فهي لم تترك أيَّ سلاح إلَّا واستخدمته، ولجأت مؤخَّرًا إلى سلاح التجويع، حيث لم تُدخل المساعدات الإنسانيَّة والإغاثيَّة للقطاع منذ حوالى ثلاثة أشهر، وشاحنات المساعدات متراكمة تنتظر الإذن!، واعتبار ذلك ورقة ضغط؛ لإخراج الفلسطينيِّين من أرضهم، التي هي حقٌّ من حقوقهم الإنسانيَّة، حسب القوانين والمنظَّمات الدوليَّة.

وقد شاهد العالم كله، الهياكل العظميَّة من الأطفال الفلسطينيِّين الذين يموتون كل يوم جرَّاء الجوع؛ وتقول المنظَّمات الأُمميَّة إنَّ هناك أكثر من (9000 طفل) مصابون بفقر الدَّم، منهم (4000) مصابون بسوء التغذية الحاد، وهم على شفير الموت! هذا فضلًا على الإصابة بأمراض مثل الإسهال الحاد، نتيجة شرب مياه ملوَّثة، وموت بعضهم مثل جنان الإسكافي جرَّاء الجوع والتلوُّث!.

‏بل حتى النساء الحوامل يلدن مواليد أقل من الوزن الطبيعي، ومصابون بالتشوُّهات نتيجة الغازات السامَّة اللاتي يتعرَّضن لها.. مثل تلك الطفلة التي وُلِدَت بلا دماغ!!.

أين ضمير الإنسانيَّة؟! كيف يستمتع العالم بألوان الطعام والشراب، وصور أهل غزَّة يتضورون جوعًا، حاملين أوعيتهم الصدئة؛ لوضع كميَّة من الطعام لا تُسمن ولا تُغني من جوع، تتبرَّع بها بعض الجمعيَّات الخيريَّة!؟ وحتى هذه باتت مهدَّدة بفراغ مستودعاتها، وعدم قدرتها على مواصلة دعم الأسر.. فكيف يصمت المجتمع الدولي على جرائم ضدَّ الإنسانيَّة بهذا الشكل؟!.

كما شملت سياسة التجويع، تدمير قوارب الصيد للصيَّادين الذين يبحثون عن لقمة عيش تسدُّ رمقهم، ورمق أسرهم.. والهدف هو نزع الإنسان من وطنه؛ ليهيم في العالم بلا مأوى.. وقد شاهدنا بعد النكبة، وبعد ترحيل الفلسطينيِّين إلى شتَّى أنحاء العالم، لم يعودُوا إلى وطنهم حتَّى الآن!! ولم تُوقف الاتفاقيَّات الدوليَّة إسرائيل عن الاستمرار في بناء المستوطنات، ودعم المستوطنين اليهود في الاستيلاء على أراضي ومنازل الفلسطينيِّين زُورًا وبهتانًا!!.

‏هذا التوحش الإسرائيلي، وانعدام الأمن الغذائي، ليس إلَّا للتوسع في منطقة الشرق الأوسط، وبناء مملكتها المزعومة، وليس أدل على ذلك، إلَّا ضرب لبنان بحجَّة حزب الله، (رغم قتلها لمعظم قادتها)، ثمَّ ضرب سوريا مؤخَّرًا بحجَّة الدروز؛ مع أنَّ الدروز أنفسهم لم يقبلوا أيَّ تدخُّل خارجي، وأكَّدوا أنَّ القضيَّة شأن داخليٌّ، وأنَّهم جزءٌ من المكوِّن السوريِّ!!.

هناك مواقف لا حصر لها، كشفت عن هشاشة القبة الحديدية الإسرائيليَّة وغيرها من الأنظمة الدفاعيَّة.. بل تسبَّبت تلك المواقف في إيقاف الكثير من شركات الطيران العالميَّة رحلاتها إلى مطار بن غوريون؛ ممَّا سبَّب ضررًا اقتصاديًّا وسياسيًّا واجتماعيًّا كبيرًا على إسرائيل.. حتَّى أنَّ جنود الاحتياط الإسرائيليِّين رفضوا العودة للخدمة العسكريَّة.. بل قدَّموا عرائض بالآلاف ضدَّ ممارسات ‏إسرائيل؛ لأنَّهم شاهدوا بشاعة الحرب، والقتل الوحشيِّ غير الإنسانيِّ الذي يمارسه الكيان الإسرائيلي.

‏مؤكد أن (السياسة) ادعى من الحروب والدمار، وهذا ما تتخذه المملكة في توجهاتها الحكيمة، حيث طالبت بحل الدولتين؛ لضمان السلام الإقليمي والعالمي، ووقف فوري لإطلاق النار، وإدخال المساعدات عاجلا، ورفض التهجير، وكم أتمنى -كما كان وعد بلفور بإعطاء وطن لليهود في فلسطين- أن تضغط أمريكا بنفوذها وثقلها الاقتصادي والسياسي، ومركزها العالمي، على إسرائيل سياسياً؛ لتنفيذ حل الدولتين، وهو قرار لابد أن يدعم من المجتمع الدولي أيضاً.

كما يجب إصدار قرار من محكمة العدل الدوليَّة، باعتبار مجلس الحرب الإسرائيلي، وعلى رأسهم نتنياهو، مجرمي حرب، ويجب ملاحقتهم قانونيًّا، وهي قضايا يجب ألَّا تسقط بالتقادم.. وعلى كافة الدول العربيَّة والإسلاميَّة مقاطعة كافَّة أشكال التطبيع مع إسرائيل، وكذلك التبادل التجاري والاقتصادي والدبلوماسي، حتى يتم فتح جميع المعابر، ووقف الحرب على غزَّة فورًا، وذلك لمواجهة المخطَّطات الصهيونيَّة، وإعطاء الشعب الفلسطيني كامل حقوقه في أرضه.. وأنْ يكون تكاتف الدول العربيَّة ووحدتها في القرار «ورقة رابحة» يمكن أنْ يُواجهوا بها التمدُّد الإسرائيلي لبقية دول الشرق الأوسط، وتحقيق الحلم المزعوم!!.