أعتذر عن حزمة الـ500 ريال!

أعتذر عن حزمة الـ500 ريال!

رأيتُ في الإنترنت، صورة حقيقيَّة ليد شخص، يلبس ثوبًا سعوديًّا، وكأنَّه يُقدِّم بها رُزمة كبيرة من فئة الـ٥٠٠ ريال لشخص آخر، وما أجملها من رُزمة، والمال من زينة الحياة الدُّنيا، وقد قرنه الله مع البنين في قرآنه الكريم، كدليل على أهميَّته.

وعلى سبيل الدُعابة، أعدْتُ إرسال الصورة لمن أتواصل معهم في الواتس آب، وكنتُ أظنُّها دُعابة عابرة، لكنِّي فوجئتُ بتفاعل الكثير منهم، كما لو أنَّني أهديهم المال، وبعضهم أرسل لي رقم حسابه البنكيِّ للتحويل، وبعضهم اتَّصل على الفور لعلَّ وعسى، رغم انقطاعنا الطويل عن بعضنا، وحتَّى لو كانوا يردُّون الدُعابة بمثلها، فإنَّها من الدُعابات التي لا تخلو من رغبة الحصول الجديَّة على المال!.

هذا جعلني أتأمَّل في معاني التفاعل، وهل هو دليل على حاجة الناس الماسَّة للمال؟ وهل نحتاج معايير أُخْرى لخطوط الثراء والفقر؟ أم أنَّ المال أصبح مقياسًا للسعادة في حياة النَّاس، ولا يضاهيه مقياس؟.

هل تريدون معرفة الرَّأي السليم؟ حسنًا، فالمال هو حلٌّ سحريٌّ لكلِّ مشكلة، وراحة لمن يمتلكه، لكنَّه ليس مقياسًا للسعادة، ولا يُعوِّض فقدان السلام الداخلي للإنسان، وما توفِّره الصحَّة والعافية، وحُسْن العبادة أكثر ممَّا يُوفِّره المال، وهذه المفاتيح الثلاثة هي الأموال الحقيقيَّة التي تجلب السعادة، وتُحقِّق التوازن بين الروح والجسد، وتُهدِّئ من الخوف والقلق والتوتُّر، التي أصبحت تُصيب معظم النَّاس، وتجعل بعضهم مراجعين دائمين للعيادات النفسيَّة، وبعضهم الآخر زبائن دائمين للصيدليَّات التي تبيعهم الأوهام تحت اسم المُكمِّلات الغذائيَّة، وعلاج القولون العصبيِّ، وبعضهم غارقين في التسلية؛ بحثًا عن المستحيل، وكأيِّن من فقير يرفل في راحة بال، وكأيِّن من ثريٍّ يقبع في أشقِّ بال!.

وممَّا يُحكَى عن رجل الأعمال الملياردير صالح كامل -يرحمه الله- أنَّه سُئل مرَّة عمَّا إذا تمنَّى أنْ يكون محلَّ شخص آخر في حياته؟ فأجاب إنَّه كان مسافرًا في سيَّارته من جدَّة إلى المدينة المنوَّرة، وكان الفصل صيفًا شديد الحرارة والوقت ظهرًا، فرأى بجانب الطريق سائق شاحنة وافدًا من الجنسيَّة الباكستانيَّة، وهو نائم نومًا عميقًا وهانئًا تحت ظلِّ شاحنته، بعد أنْ أوقفها للاستراحة، فغبطه على مثل هذا النوم وتمنَّى مكانه!.

وممَّا يُروَى عن الخليفة العبَّاسيِّ هارون الرَّشيد في كتاب سراج الملوك، أنَّه قال لرجلٍ صالحٍ: عِظْنِي، وكان بيده شرْبة ماء، فقال له: يا أميرَ المؤمنين، أرأيْتَ لو حُبِسَت عنك هذه الشرْبة، أكنت تفديها بمُلْكِك؟ قال: نعم، فقال الرجل: ولو حُبِسَ عنك خروجها، أكنت تفديها بمُلْكِك؟ قال: نعم، فردَّ الرجل قائلًا: فلا خير في مُلْكٍ لا يُساوي شرْبةً، ولا بوْلة، فبكى الرَّشيد أشدَّ البُكاء!.

أعتذر لمَن شاركتهم الصورة مُداعبًا، وأتمنَّى لنفسي ولهم المال الذي يُغطِّي ويسدُّ الحاجات، مع الصحَّة والعافية، وحُسْن العبادة، الأثمن والأهم.