اذهبوا إلى المسجد..!

تظل الأسرة أساسًا في بناء قيم الأبناء، فما تغرسه فيهم ينعكس على تصرُّفاتهم مع محيطهم، ومن هنا يظهر التمايز بين تربية، وأخرى، وبين أسرة قامت بواجبها، وأسرة تخلَّت عن دورها، فمهَّدت بذلك للآخر أنْ يأخذ مكانها، ويقوم بدورها، ثم لا يكون إلّا الندم في وقت لا بكى ينفع، ولا شكوى تفيد.
فالتربية وإنْ كانت، وستظلُّ مهمَّةً شاقَّةً، فهي اليوم أكثر مشقَّةً، في ظلِّ ما يعيشه الأبناء من هجمات (مقصودة)، هدفها الضرب في عمق القيم، ولكن بطريقة هي أصعب من أنْ يفهمها الأبناء، بل فوق قدراتهم، وإمكانات مداركهم، وهو ما يعني أنَّ دور الأسرة في حياة الأبناء اليوم أعظم ممَّا كان عليه، ومن هنا يبزر الفرق في نتاج أسر قامت، وأُخْرى نامت.
وممَّا يُصعِّب المهمَّة في تربية الأبناء، اعتقاد الأسرة في ظلِّ غياب دورها أنَّهم (بخير)، دون أنْ يتكلَّفوا عناء التأكد من ذلك، حتى مع كون ما يظهر منهم من تصرُّفات تؤكِّد -وبما لا يدع مجالًا للشكِّ- أنَّهم ليسوا بخير، وهذا يعني أنَّ رفاق السوء (بشريًّا، وتقنيًّا) قد بلغوا من التأثير فيهم مبلغًا متقدِّمًا، وهو ما يصعب في شأن تربيتهم إصلاح ما أفسده عصرهم.
وفي جانب آخر، فإنَّ ترك الأسرة لأمر تربية أبنائهم، يمضي هكذا حسب مشيئة (الظروف)، تحت ذريعة ما تجود به في شأن تربيتهم مدرسة الحياة، فإنَّهم في ذلك يغفلون عن أمر مهم، وهو مطلب (أرضيَّة) يجب توفُّرها لديهم قبل أنْ تعمل في شأن تربيتهم مدرسة الحياة، وإلَّا فإنَّ (طوفان) السوء، ورفاقه لنْ يتركوا متَّسعًا من الوقت لها؛ لتقوم بذلك، فيتوالى سقوطهم واحدًا تلو الآخر، عندها ستعرف الأسرة فداحة خطئها، عندما قرَّرت أنْ تتخلَّى عن دورها، وتسلِّم دفَّة تربية أبنائها لغيرها.
وهنا، وفي إجراء بالغ الأهميَّة، فإنَّ في سؤال الأبناء عن أحداث (يوميَّاتهم) ما يكشف إلى أين يمضي بهم تيار رفاقهم، فعفويَّة إجاباتهم تضع النقاط على الحروف، في شأن معرفة أين يقفون؟ وهذا الدور يجب ألَّا يغيب في محيط كل أسرة، فسؤال الأبناء أين كانوا، ومع مَن؟ ما يكشف عن حقائق غائبة، صعوبتها أنَّ ظهور أثرها لا يكون إلَّا بعد أنْ تبلغ (سكين) تدميرها العظم.
وفي صورة تبرهن على (عجز) الأسرة في شأن تربية أبنائها ما تنتهجه من أسلوب (الإحالة)، معتقدةً أنَّ في ذلك الحل تجاه تقصيرها في جانب القيام بدورها، وهذا أبدًا لا يكفي فالمدرسة -على سبيل المثال- بجلالة قدرها، وعظم أثرها لا يمكن لها أنْ تنجح دون أنْ يعضِّد دورها، دور أسرة تقوم بواجبها في شأن تربية أبنائها.
وهنا أقدِّم لك -عزيزي القارئ- صورة تلخِّص كل ما سبق، تلك الصورة التي أراها مقياسًا معتبرًا في شأن تربية الأبناء، وأقصد بذلك صورة علاقة الأبناء بالمسجد، فكم مرَّ معنا من مواقف كان فيها أولئك الأبناء مصدر إزعاج داخل المسجد، وكم تكرَّر منهم في أثناء خطبة الجمعة تحلُّقهم، وحديثهم مع بعضهم، وكل ذلك يحدث، والسَّبب الإحالة إلى (روحوا المسجد)، ولكن ماذا عنهم داخله، لا أحدَ من أسر أولئك يهتم، ولا يسأل.
وفي هذا الشأن، فإنَّ من الواجب على الأسرة، كما أنَّها ترى في (المسجد) موطن إصلاح، ومرفأ (أمان) أنْ تغرس في أبنائها ما للمسجد من مكانة، وكيف هي الصورة التي يجب أنْ يكون عليها مَن يذهب إليه، وأنَّ في إزعاج المصلِّين خروجًا عن آداب المسجد، تلك الآداب، التي لم تقصر المدرسة في تبصيرهم بها، ولكنَّ الأسرة عندما تخلَّت عن دورها لم (تتعهَّدهم) في أمر (تطبيقها)، أمَّا في شأن كل أسرة تقول لهم: روحوا المسجد؛ خلاصًا من (إزعاجهم)، أترك الحكم لكم، وعِلمي وسلامتكُم.