سخاء «الطائي» وضيافة «الحائلي»

سخاء «الطائي» وضيافة «الحائلي»

روى أحد مقدِّمي التواصل الاجتماعيِّ في المدينة المنوَّرة الأستاذ نايف الأحمدي، وهو ممَّن عُرف عنه تقديم كل ما له علاقة بطيبة الطيبة، روى أنَّه -يومًا- قَدِمَ إلى عروس الشمال حائل، ذات البهاء والجمال، حائل بعد حي، حائل مَن أفرد لها طلال مداح أغنيته الشهيرة «حائل بعد حي»، وغنَّتها فيروز لبنان، حائل مسقط رأس والدي، وكان لجدِّي محمد، ووالده فهد الكريِّم في وسطها بيتٌ ودارٌ قبل أنْ يقصد المدينة المنوَّرة؛ ليعيش فيها هو وأبناؤه: عبدالله، ويوسف، وعبدالعزيز (والدي)، وشقيقته هيا -رحمهم الله جميعًا-.

أعود لنقل ما ذكره الأستاذ نايف الأحمدي، من أنَّه عندما وصل حائل، بصحبة أسرته، أخذ يبحث عن مطعم، فقابل شخصًا من أهل حائل، فسأله عن المطعم؟ فقال له: اتبعني أرشدك إلى أحسن مطعم -بإذن الله- وسار خلفه، حتَّى إذا وصلوا دخل الرجل إلى المطعم برهة من الوقت، ثمَّ خرج وقال له: هذا المطعم مفتوح وممتاز، فأوقف سيَّارته الأستاذ نايف، ودخل هو وأسرته إلى المطعم، وكانوا في انتظار إحضار قائمة الطعام؛ لاختيار الطلب. لكن فجأةً رأى صحنًا من الرز، وعليه نصف ذبيحة (نصف طلي) قد احضره النادل (المباشر)، فقال له: هذا ليس طلبنا، ولَم نطلب بعد، قال النادل: هذا الطَّلب تمَّ طلبه من قِبل الرجل الذي دخل المطعم قبل قليل، ودفع حسابه.

يقول الأستاذ نايف: خرجت لأبحث عنه فلم أجده، فتوكلت على الله، وأكلت أنا وأسرتي ما قسم الله لنا من طعام، ثم أردت الخروج، فإذا بصاحب المطعم يحضر صحناً آخر عليه نصف ذبيحة أخرى، قال له نايف: ما هذا؟ قال: هذا نصف الذبيحة الآخر، طلبه الرجل لكم عند خروجكم من المطعم، فتعجب الأستاذ نايف -أيما عجب- من هذا الصنيع والسلوك الحائلي.

إنَّ أهل حائل تميَّزوا بالضيافة والكرم، وهم بضيافتهم وكرمهم هذا يغمرُون النَّاس بصنع الجميل، إنَّ مثل هذا الأمر الذي قام به هذا الرجل، يُعدُّ في سلوك أهل حائل طبيعيًّا، فالكرم يغلبهم دائمًا، والضيافة ديدنهم، حيث هي تجري في دمائهم، وورثوها عبر الجينات من أجدادهم، فالتاريخ يذكر أنَّ لهم في ذلك نسبًا وانتسابًا، وهو عندهم مسلك وسلوك، حيث إنَّ الكرم هناك في حائل مأرزه، وفي ديار حاتم الطائي تتلألأ أنواره، فحاتم المشهور بكرمه وجوده رائدهم في ذلك، وله في ذلك قصَّة اغرب من الخيال، فهو طول عمره وحياته مضياف لكلِّ مَن يصل داره، وحدث يومًا أنْ جاءه ضيف، ولم يكن في بيته ما يقدِّمه له من طعام، فأمر بذبح حصانه ليقدِّم لضيفه أفضل ما يمكن من الطَّعام، فغدا بذلك مضرب المثل بين العرب في الكرم، وقد أثنى عليه الرسولُ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- عندما شاهد ابنته سفانة في الأسرى فقال: «خَلُّوا عَنْهَا، فإنَّ أبَاهَا كَانَ يُحبُّ مَكَارَمَ الأخْلاقِ اطْلقُوا مَن مَعَهَا كرامةً لهَا ولأبِيهَا»، يُقال إنَّ سفانة أول مَن استخدم عبارة «يا بعد حي»، عندما ذهبت إلى المدينة مع الأسرى، وبعد عنها حيها الذي كانت تسكن فيه، فقالت: «بَعُدَ حي»، وتقصد أنَّ ديارها أصبحت بعيدةً، وهناك رواية أُخْرى أنَّها قالتها عندما رجعت من الشام إلى حائل، فلم تجد أخاها عدي في حائل.