موثوقية التاريخ

موثوقية التاريخ

يشنُّ البعضُ حملةً ضاريةً ضد المؤرِّخين، تشبه الحملات الإسرائيليَّة ضدَّ غزَّة، وكما لو أنَّها «فيتو» ضدَّ مصداقيَّة المؤرِّخين شبيه بفيتو الدُّول العُظمَى في مجلس الأمن الدوليِّ ضدَّ قضايا لا تتوافق ومصالحهم.. بل إنَّ هذا الفريق ترك لنفسه الحريَّة للاستهزاء بالمؤرِّخين وأعمالهم يقولون: «كيف سأصدِّق روايات يقصُّها علينا شخصٌ من مئات السِّنين؟ ولا ندري إنْ كان شاهدًا عليها بالفعل، أم أنَّ زوجته نقلتها له عن لسانِ جارتها»!

مع كل تقديري لهكذا فكر، غير أنَّ اختلاف الرَّأي، أو عدم استمزاج شيء لا يكون بالتهكُّم خاصَّةً إذا كان الأمر يتعلَّق بعِلمِ احترمته شعوب الأرض، منذ أنْ وعي الإنسان ذاته على هذه البسيطة؛ لسبب بسيط، وهو أنَّ التاريخ كان -ولا زال- هو العِلمُ الوحيدُ غير الأنانيِّ الذي لم يخدم ذاته، بل خدم الأمم حين حفظ لها سيرتها وهويتها بغير منَّة، أو تفضُّل، رغم معاناة مَن قاموا بتلك الأعمال من المؤرِّخين.

أمًا ما صوَّر به المعارضون فعل التاريخ من كونه حكاوى غير موثوقةٍ نتيجة لمؤامرات نسائيَّة، فذلك من حقِّه.. فله أنْ يمجِّد الذكاءَ الأنثويَّ كما يحلو له، لكنَّ مصداقيَّة القول تتطلَّب أنْ يتجرَّد المثقف من رغباته الذاتيَّة، خاصَّة إنْ كان ذلك في شأن علم ذات وقيمة التاريخ.. أمَّا أنْ يتحوَّل الفكر إلى استهزاء وتهكُّم، فلا أظنُّهم يقبلون ذلك، إنْ فعل أحدهم بمثل قولهم في تخصصاتهم العلميَّة، أو مهنهم العمليَّة.

التاريخ كان، وسيبقى، أحد أهم العلوم الإنسانيَّة المؤثِّرة في حياة البشريَّة، وعجب كثير من مثقفين ومتعلِّمين لا يدركون هذه الحقيقة، ولمجرَّد المثال أقول: انظروا إلى أحداث اليوم التي يشهدها العالم، وارجعوا إلى سنوات قريبة في صفحات التاريخ، ستدركون وتستوعبون حقيقة ما يحدث وأسبابه.

@Dr_Abdulrahman