الخائن بيننا: المدير الذي لا يُوثَق به!

الخائن بيننا: المدير الذي لا يُوثَق به!

في بيئات العمل، يُفترض أن يكون المدير هو القائد والقدوة، مَن يقود الفريق نحو النجاح، ويزرع الثقة، ويحتضن النزاهة، ولكن، ماذا يحدث عندما تتحول هذه الصورة إلى نقيضها؟، ماذا لو أصبح المدير نفسه مصدر الخيانة والغدر؟، وهنا، لا نتحدث عن خيانة عاطفية، بل عن خيانة مهنية، أخلاقية، وإنسانية تُهدِّد استقرار المؤسسة، وتكسر ثقة الموظفين.

الخيانة الإدارية هي: أي تصرُّف يقوم به المدير يخلُّ بالثقة التي منحها له الموظفون أو المنشأة، وتتنوع أشكال هذه الخيانة، منها استغلال السلطة لمصالح شخصية، نقل أسرار العمل للمنافسين، التلاعب بالتقارير، سرقة جهود الموظفين، أو تحطيم الروح المعنوية للفريق؛ عبر النفاق أو الطعن في الظهر.

ومن مظاهر المدير الخائن:

– استغلال النفوذ، إذ يستخدم المدير سلطته لتحقيق مكاسب شخصية على حساب المؤسسة، كمنح العطاءات لأقاربه، أو أخذ عمولات سرية.

– نقل معلومات سرية، وهنا يقوم بتسريب أسرار العمل أو الخطط الإستراتيجية لجهاتٍ خارجية، مما يُهدِّد سمعة المنشأة واستقرارها التنافسي.

– سوء النية في التقييم، ويمنح بذلك تقييمات غير عادلة للموظفين بناءً على أهوائه، أو لمصالح انتقامية، أو لتصفية حسابات.

– التلاعب بثقة الموظفين، ويُوهم الفريق بالدعم والثقة، بينما يعمل في الخفاء على عكس ذلك، كمَن يُوهم موظفًا بالترقية ثم يُقصيه فجأة.

– نشر الشائعات والتحريض، فيبدأ في إشعال الخلافات بين أفراد الفريق، أو ينقل الكلام بشكل كيدي لتشويه السمعة أو زرع الفتنة.

– السطو على الإنجازات، وهنا ينسب مجهودات الموظفين لنفسه أمام الإدارة العليا، فيُحبط المجتهدين ويُثبط الإبداع.

وجود مدير خائن يُحدث زلزالاً في بيئة العمل، تبدأ ارتداداته من الشعور العام بعدم الأمان، والموظفون يفقدون الثقة في الإدارة، ويشعرون أن الجهد لا يُكافأ، بل يُسرق، فيسود جو من الشك والتوتر، وتنهار الروح الجماعية، فتزيد الاستقالات، وتتدهور الإنتاجية، وينخفض الولاء المؤسسي، كذلك من جهة أخرى، تتأثر سمعة المؤسسة خارجيًا، والموظفون قد يشاركون تجاربهم السلبية، أو يرفضون التوصية بالعمل في الشركة، مما يصعّب من جذب المواهب مستقبلاً، أما إذا كانت الخيانة قد طالت معلومات أو اتفاقات إستراتيجية، فقد تكون العواقب القانونية والمالية مدمّرة.

ليس من السهل فهم لماذا يخون مدير ما الثقة الممنوحة له، ولكن غالبًا ما تعود الأسباب إلى:

– طموح مفرط بلا قِيَم، يسعى للوصول بأي وسيلة، ولو كانت غير أخلاقية.

– شعور بالنقص أو ضعف الشخصية، فيُحاول تعويضه بالسيطرة أو الظلم.

– بيئة عمل مشجِّعة على الفساد، حيث تغيب الرقابة أو يسود الصمت عن السلوكيات الخاطئة.

– ضعف الحوكمة، مع عدم وجود أنظمة واضحة للمساءلة والعقاب.

أما عن التعامل مع المدير الخائن، فيحتاج إلى شجاعة مؤسسية وعدالة مهنية، وأول خطوة هي الاعتراف بوجود المشكلة، بعد ذلك يجب:

– فتح قنوات سرية وآمنة للإبلاغ عن الممارسات غير الأخلاقية.

– التحقيق الفوري في الشكاوى، دون تحيّز.

– تطبيق القوانين بصرامة، وعدم التهاون مع أي تجاوز.

– تعزيز ثقافة النزاهة والشفافية.

– حماية الموظفين الشرفاء من أي انتقام أو تهديد.

– إعادة بناء الثقة من خلال الوضوح والمحاسبة.

الخيانة الإدارية ليست مجرد تصرف فردي، بل هي سرطان يصيب جسد المنظمات، ويهدد نسيجها من الداخل، والمدير الخائن لا يدمر الآخرين فقط، بل يدمر نفسه، لأنه يفقد الاحترام، ويقصى في النهاية من المنظومة. وفي زمن يعلي من قيم الحوكمة والمسؤولية، لم يعد مقبولًا أن تترك الثقة في يد من لا يستحقها.. (الثقة مسؤولية، والخيانة سقوط لا ينسى).