إزالة كلمة “دبلوماسية” من مفهوم الدبلوماسية العامة

إزالة كلمة “دبلوماسية” من مفهوم الدبلوماسية العامة

لا زال وجود كلمة (دبلوماسية) في مصطلح (الدبلوماسية العامة) يُسبِّب لبسًا وعدم وضوح لدى البعض، نظراً لارتباط هذه الكلمة بشكل وثيق بالعمل السياسي في وزارات الخارجية، في حين أن الدبلوماسية العامة هي مفهوم شامل؛ يضم مجالات أخرى عديدة، منها مثلا: الثقافة والسياحة والإعلام، والرياضة والترفيه والتعليم، والعمل الإنساني ومراكز البحوث، والمنظمات غير الحكومية.. ليس هذا فحسب، بل إن ممارسي الدبلوماسية العامة يمكن أن يكونوا أيضاً من مؤثري شبكات التواصل، ورجال الأعمال، بل وحتى المواطن العادي من خلال ممارساته عبر صحافة المواطن؛ ودوره كسفير لبلده عند تجواله في العالم للسياحة والدراسة والعمل.

وبهذا الشأن، تتردد دوماً على مسمعي أسئلة منها: هل وزارة الخارجية هي الجهة المركزية المعنية بالدبلوماسية العامة؟، لماذا لا زلنا نقول «دبلوماسية» ثقافية، «دبلوماسية» إعلامية، «دبلوماسية» رياضية، «دبلوماسية» بيئية، و»دبلوماسية» عامة، طالما أن القائمين بها ليسوا بالضرورة من المنتمين للسلك الدبلوماسي؟، لماذا لا نزيل هذا اللبس بحذف كلمة «دبلوماسية» وإيجاد مسمى آخر بديل؟.

وقبل الإجابة على هذه التساؤلات المشروعة، نحتاج أولاً لإيضاح أن الدبلوماسية العامة هي في واقع الأمر شكل معاكس للدبلوماسية التقليدية الخفية Secret Diplomacy ، حيث إن الدبلوماسية الخفية حل محلها -بسبب مظاهر العولمة وتطورات التكنولوجيا- ما يعرف بالدبلوماسية المفتوحة، وهي شكل حديث من الممارسة الدبلوماسية يقوم على الشفافية، ويستهدف كسب الرأي العام المحلي والدولي، من خلال الإعلام، والخطاب العلني، والتواصل الثقافي والشعبي، واستخدام القوة الناعمة لتعزيز صورة الدولة.

هذا التحول من الدبلوماسية الخفية إلى الدبلوماسية المفتوحة لم يكن مجرد تغيير في أسلوب المفاوضات، بل تحوّل جوهري في فلسفة السياسة الخارجية، فقد أصبحت الدول مطالبة بالتفاعل ليس فقط مع الحكومات، بل مع الشعوب أيضًا، وأصبح للرأي العام والمنظمات غير الحكومية دور هام في صناعة العلاقات الدولية. ورغم استمرار الحاجة للسرية في بعض القضايا الحساسة، إلا أن الاتجاه العالمي يمضي نحو مزيد من الشفافية والانفتاح والتفاعل الشعبي، مدفوعاً بتطورات التكنولوجيا والتبدلات في طبيعة النظام الدولي.

لماذا إذاً لا تزال «الدبلوماسية» جزءاً من مصطلح «الدبلوماسية العامة»؛ رغم خروجها عن الإطار الدبلوماسي التقليدي؟.

رغم أن الدبلوماسية العامة تطورت لتشمل ممارسين خارج الإطار التقليدي لوزارات الخارجية، إلا أن الاحتفاظ بكلمة «دبلوماسية» في التسمية لا يزال مُبرَّرًا ومهمًا، لأسباب أهمها:

أولا: أن الهدف الأساس من الدبلوماسية العامة لا يزال تحقيق أهداف السياسة الخارجية للدول ومصالحها الوطنية، بمعنى آخر؛ إدارة علاقات الدولة مع العالم الخارجي، وهو جوهر العمل الدبلوماسي.

ثانيا: استمرار إشراف الدولة ولو بشكل غير مباشر. فحتى عندما تُمَارَسْ أنشطة الدبلوماسية العامة من قبل جامعات، منظمات غير حكومية، أو مؤثِّرين إعلاميين، فإنها تكون غالباً مموّلة أو مدعومة من الدولة، ومتوافقة بالضرورة مع أجندة سياستها الخارجية، وتُمثِّل جزءاً من استراتيجيتها الناعمة. هذا الإشراف أو التكامل يجعلها تظل ضمن نطاق «الدبلوماسية»، حتى لو مارستها مؤسسات غير رسمية.

ثالثا: لو تم حذف كلمة «دبلوماسية»، لتحوّلت «الدبلوماسية العامة» لمجرد اتصال جماهيري دولي، أو «إعلام خارجي»، وهو وصف ناقص وغير دقيق، لأن الإعلام، (وهو مجرد جزء واحد من تروس الدبلوماسية العامة)؛ يهدف إلى الانتشار والربح، بينما تهدف الدبلوماسية العامة كمنظومة لبناء علاقات، وتعزيز تفاهم، وتشكيل مواقف طويلة الأمد تخدم أهدافاً إستراتيجية.. فوجود كلمة «دبلوماسية» يربط هذا النشاط برؤية استراتيجية دولية تتجاوز مجرد التبادل الإعلامي.

الخلاصة باختصار، رغم اتساع نطاق الفاعلين في الدبلوماسية العامة، فإنها تُمَارَس في سياق استراتيجي دولي؛ يخدم مصالح الدولة وسياستها الخارجية، ويُعزِّز صورتها، وهذا ما يُبرر احتفاظها بمفردة «الدبلوماسية».. والتحدي في رأيي لا ينبغي أن يكمن في انشغالنا بمسمى «الدبلوماسية العامة»، بل في فهمنا وقبولنا لها كواقع حتمي جديد، وكمنظومة متكاملة تتقاطع فيها الدولة مع المجتمع، والرسمي مع غير الرسمي.. منظومة ينضوي تحتها بتناغم وتكامل، تروس عديدة تشمل الدبلوماسية والإعلام، والدين والثقافة، والرياضة والترفيه، والبيئة والعمل الإنساني وأنشطة الدعم، وغيرها.