الهوية والجانب العالمي في مؤسساتنا التعليمية

في عصر يُقاس فيه التقدُّم بقوَّة المعرفة، لم تعد الجامعات مؤسسات تعليميَّة فحسب، بل منصَّات وطنيَّة تتحدَّث باسم الدولة إلى العالم. وفي هذا السياق، تبرز مقارنة بين الجامعات السعوديَّة، ونظيراتها الغربيَّة، والآسيويَّة، لا من حيث الإمكانات فحسب، بل من حيث الرسائل التي تبثها، وطريقة تقديم ذاتها.
مواقع جامعاتنا تعكس التزامًا بالهويَّة الوطنيَّة، واهتمامًا بالخدمات المحليَّة والفعاليَّات الداخليَّة. الخطاب موجَّه -غالبًا- إلى الداخل، في تركيزٍ نبيلٍ على بناء الإنسان الوطنيِّ، وخدمة المجتمع. في المقابل، تتبنَّى الجامعات العالميَّة سرديَّة شاملة، تروِّج للتنوُّع، الابتكار، والتأثير الدوليِّ؛ ممَّا يجعلها أكثر جاذبيَّة للطلاب والباحثين من مختلف دول العالم.
ولتوضيح الفارق، يمكن النَّظر إلى موقع جامعة مانشستر، المصنَّفة ضمن أقوى الجامعات عالميًّا. يقدِّم موقعها الإلكتروني تجربةً غنيَّةً وشاملةً، تبرز دور الجامعة في البحث، والابتكار، والتأثير المجتمعي عالميًّا. يحتوي الموقع على محتوى متعدِّد الأبعاد، بدءًا من إنجازات علميَّة ذات صدى عالميٍّ، مرورًا بمشروعات تعاون دوليٍّ، وانتهاءً بفرص جذب الطلاب من شتَّى دول العالم. كما يظهر التزام الجامعة بالاستدامة، ويعرض برامج دراسات عُليا، وبحوثًا تستهدف مشكلات إنسانيَّة عابرة للحدود.
مثال آسيوي مماثل في الطموح والانفتاح، نجده في جامعة سيول الوطنيَّة، التي تُعدُّ من أفضل الجامعات في كوريا الجنوبيَّة وآسيا. يقدِّم موقعها الإلكتروني تجربةً موجهةً بوضوح لجمهور عالميٍّ، مع محتوى ثريٍّ باللغتين الكوريَّة والإنجليزيَّة، ويبرز فيه تركيز واضح على الأبحاث المتقدِّمة، التعاون الدوليِّ، وجذب أفضل العقول من جميع أنحاء العالم. كما يعرض الموقع إنجازات الجامعة في مجالات الابتكار، العلوم، وريادة الأعمال.
ومع ذلك، تلاحظ في كلا الموقعين رغم شموليتهما، ليس هناك معلومات مباشرة عن الهيكلة الإداريَّة، أو أسماء القيادات الأكاديميَّة عبر الصفحة الرئيسة، بل إنَّ التركيز منصب على العرض الأكاديميِّ والبحثيِّ والعالميِّ، والانطباع الخارجيِّ الموجَّه للجمهور العالميِّ، أكثر من التركيز على البُعد المؤسسيِّ الداخليِّ. الفارق الجوهري لا يكمن في القيمة، بل في طريقة التقديم. والواقع أنَّ الجمع بين الأصالة والانفتاح ليس تناقضًا، بل ضرورة. بإمكان جامعاتنا أنْ تروي قصتها بلغة يفهمها الجميع، وتعرض إنجازاتها بلغة علميَّة عالميَّة، دون أنْ تتخلَّى عن روحها الوطنيَّة.
واليوم، لم تعد الجامعة مجرد مبنى، بل رسالة.. وإذا كانت صفحة الجامعة على الإنترنت هي أول ما يراه الزائر، فهي أيضاً أول فرصة لنقول للعالم من نحن؟ وماذا نستطيع أن نقدم؟ وفي كل الأحوال، يجب أن تبدع الجامعات السعودية، في إخراج مواقعها الإلكترونية بصورة تبهر المطلعين عليها، وتضيف إليها لمسة عالمية، تعكس ما بلغته المملكة من طموح وحضور دولي، فالعالم يتابعنا في ظل رؤية أصبحت حديث الجميع.