قسطرة وجراحة قلب مفتوح لجَدَّة..!!

قسطرة وجراحة قلب مفتوح لجَدَّة..!!

خرجتُ بسيَّارتي من بيتي، الواقع قُرْب ميدان الفلك في جدَّة السَّاعة الرابعة مساءً، لإحضار ابنتي الموظَّفة في المستشفى التخصُّصيِّ البعيد عن بيتي بحوالى ٥ كيلومترات؛ ولأنَّ المشوار هو ذهاب وإياب، فإنَّ المسافة الكليَّة التي قطعتها بينهما هي ١٠ كيلومترات بالتَّمام والكمال!.

ووصلنا البيت في الساعة السادسة مساءً، بمعنى أنَّ كلَّ كيلومتر واحد بالسيَّارة احتاج منِّي إلى ١٢ دقيقةً لقطعِهِ؛ بسبب الزِّحام الذي أصبح توأمًا سياميًّا لجدَّة، لا يفترقان ولا ينفصلان، ليل نهار، ونهار ليل؛ كي لا (يزعل) الليل، أو النهار، من تقديم أو تأخير أحدهما في سياق الكلام!.

وما زال سُكَّان جدَّة -يا سادتي يا كِرام- يُعانون من زِحامها الخانق، وهو يزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم، ويُشكِّل تحدِّيًا كبيرًا للسُكّان، حيث أصبحت الشوارع مثل أعناق الزجاجات الضيِّقة والممتلئة بالسوائل التي تبحث عن مخرج ومنجى من الزِّحام، فتخرج قطرةً قطرةً بعد جُهْدٍ كبيرٍ وتعبٍ شديدٍ!.

وجدَّة التي تحتضن طيلة العام نشاطات سياحيَّة وتجاريَّة وثقافيَّة، تتعرقل من حركة سير مروريَّة غير مسبوقة كثافةً وحجمًا؛ بسبب معدَّل نموِّ السيارات الذي قد يفوق معدَّل النموِّ السُكَّاني في ظاهرة مُزعجة، وتؤثِّر على راحة السُكَّان بما يتعدَّى مجرَّد التأخُّر في قضاء المشاوير، إذ تضطرب صحَّتهم النفسيَّة والجسديَّة داخل سيَّاراتهم، ويزداد معدَّل قلقهم وتوتُّرهم، فضلًا عن زيادة استهلاك الوقود، وتلوُّث البيئة، وارتفاع نسبة الانبعاثات الضارَّة من السيَّارات، وتجعلهم يفشلون بجدارة في مهمَّة إدارة وقتهم، فيُصبح الوقت الذي هو من ذهب، مثل الخشب، يهترئ وينكسر، وقد يحترق، وتتفاقم مشاعر الإحباط والعجز عن التنقُّل السريع والمُريح الذي هو هدف كلِّ النَّاس في شوارع جدَّة الفسيحة إنشائيًّا والضيِّقة حركيًّا!.

وأتمنَّى تنفيذ حلول مُستدامة لهذه المشكلة الحادَّة والمزمنة، وتطوير شبكة النقل العام، لتشمل مزيدًا من الحافلات، وإقناع أكثر قدرٍ من النَّاس بامتطائها، وبناء المترو، والقطارات الحديثة تحت وفوق الأرض، لربط الأحياء المختلفة، مع تحسين البنية التحتيَّة للطرق، وبناء المزيد من المواقف المتعدِّده الطوابق للسيَّارات، وغير ذلك من مشروعات تحتاجها جدَّة لتسهيل وعصرنة المرور، لراحة السُكَّان، وتجويد الحياة بشكلٍ عام.

والزِّحام مثل الكوليسترول الضَّار، والشوارع المزدحمة مثل الشرايين المسدودة، والعلاج قسطرة شاملة، بل عمليَّات قلب مفتوح لشوارع جدَّة المُرهقة من الزِّحام!.