أستاذي أسامة السباعي في رحمة الله

تمتدُّ علاقة آل جمال، بآل السباعي، إلى ما يقارب القرن من الزَّمان.. وهي علاقة قائمة في مجال الأدب، والثقافة، والصحافة، والطوافة، والشأن العام، علاقة بُنيت على التقدير والاحترام والمحبَّة والوفاء، علاقة لم تكن في يوم من الأيام مصلحيَّة، أو نفعيَّة إلَّا فيما ينفع النَّاس، وما هو مشترك في خدمة الدِّين، ثمَّ الوطن، والمجتمع.
رحم الله مَن مضى، وبارك فيمن بقي..
من المحطَّات الرئيسة في علاقة الوالد الشيخ صالح محمد جمال، والعم الشيخ أحمد السباعي -يرحمهما الله- هي محطَّة الصَّحافة.. فقد أسَّس الوالد -يرحمه الله- صحيفة حراء عام 1376هـ، ثمَّ أسَّس الشيخ أحمد السباعي صحيفة الندوة عام 1377هـ، ثمَّ تمَّ دمجهما عام 1378هـ بقرار من مديريَّة الإعلام وقتها؛ وصدرتا باسم (الندوة)؛ وعلى إثر ذلك وفي عام 1379هـ اشترى الوالد امتياز الندوة من الشيخ أحمد لتخلُّص ملكيَّة امتياز الندوة للوالد -يرحمه الله-.
علاقات الوالد بالعم أحمد قديمة كما أسلفت، وأذكر في طفولتي مرور العم أحمد السباعي -يرحمه الله- بمكتبة الثقافة فرع الطَّائف خلال شهور الصَّيف، حيث كان الطَّائف مصيف المكيِّين المفضَّل؛ ولازلت أتذكَّر خطواته المُتَّئِدة، وملامح وجهه وابتسامته ووقاره -يرحمه الله-..
وأمَّا علاقتي بابنه الأستاذ أسامة، فهي امتداد لعلاقة المحبَّة والاحترام والتقدير، والسير في دروب الصَّحافة، التي كتب الله لي المشي فيها مواصلةً لمسير والدي، وعمِّي أحمد جمال -يرحمهما الله-.. فقد حملت القلم من بعدهما حِمْل مسؤوليَّة شعرت بها بعد وفاتهما تباعًا في عامي 1411هـ و1413هـ -رحمهما الله-..
وفي منتصف عام 1414هـ، كان أول من طرقت باب مكتبه -بعد تردد- لأستشيره حول بدء مشوار حمل القلم، وإكمال المسير الطويل، الذي قطعه الوالد والعم -يرحمهما الله- قبلي بعقود على بلاط صاحبة الجلالة؛ -كان- هو الأستاذ أسامة السباعي، وكان -وقتها- رئيس تحرير صحيفة المدينة المنورة، فرحب وشجع، وبدأ بنشر ما أكتبه في صفحة عالم المدينة.
وقد حظيت منه بعناية كريمة، هي من صميم أخلاقه الكريمة، وأدبه الرفيع، ومعدنه النقي -رحمه الله-، فقد كان هو مَن اختار لي اسم الزَّاوية التي خصَّصها لي وهو (خلجات)؛ وهو كان مَن يختار لها أفضل موضع لمقالي في صفحات الصحيفة، ومنها صفحة الرَّأي. وهو بذلك صاحب فضل عليَّ، لا أنساه، وسأظلُّ وفيًّا داعيًا له بحسن الجزاء من الله -عزَّ وجلَّ-.
رحمه الله رحمة الأبرار.. كان هيِّنًا ليِّنًا بشوشًا مهذَّبًا.. فقد زاملته عن قُرب في مجال الطوافة، في عضويَّة مجلس إدارة مؤسَّسة مطوِّفي حجَّاج الدول العربيَّة، فكان نعم الزميل لي، ولكل مَن عمل معه -رحمه الله-. وقد سلَّم في السنوات الأخيرة راية الطوافة من بعده لابنه م. ياسر؛ ليكمل ما بدأه أبوه وجدُّه في هذا المجال؛ مجال الشرف في خدمة وفد الرَّحمن. وصادف وقت استلام م. ياسر السباعي راية خدمة ضيوف الرَّحمن من أبيه، أنْ استلم شقيقي ماهر نفس الرَّاية، وعملا سويًّا في مؤسَّسة ثمَّ شركة مطوِّفي حجَّاج الدول العربيَّة. فالمسيرة والعلاقة بين الأسرتين -بفضل الله- تستمر على أسس المحبَّة والمعروف..
وبمناسبة الحديث عن الطوافة، فهي من المجالات التي جمعت أيضًا الوالدين، والدي الشيخ صالح جمال، والشيخ أحمد السباعي -رحمهما الله- كما جمعتهما دروب الأدب والصحافة؛ حيث كتبا في الصحف والكتب، وشاركا في لجان بشكلٍ جادٍّ ومثابر على مدى عقود من أجل تطوير مهنة الطوافة وتحسين أحوال المطوِّفين من أجل تحسين ما يُقدِّم من خدمات لضيوف الرَّحمن؛ وكان ما يطرحانه موضع تقدير من المعنيِّين ولعلَّ من أبرز ما طرحوه وأخذ به انتقال مهنة الطوافة من عهد الأفراد إلى عهد المؤسَّسات.. جعل الله ذلك في موازين حسناتهم.
رحم الله أستاذي الكبير أسامة بن أحمد السباعي، ورحم والده، ووالدي، وأموات المسلمين رحمة الأبرار.