مكافحة الاحتيال الإلكتروني: عقبات في الوعي ونقص في الإبلاغ

في هذا العصر الرقمي المتشابك، يبرز تهديد خفي يتسلل إلى هواتفنا وحواسيبنا، إنه الاحتيال الإلكتروني، وباء صامت ينتشر بسرعة مذهلة، مخلفًا وراءه ضحايا يكتوون بنيران الخديعة وفقدان الأمان المالي وذلك في ظل ضعف الوعي بمخاطره وتهاون البعض في إبلاغ الجهات المختصة.
ويبقى السؤال كيف تحولت الشاشات اللامعة إلى ساحات قتال غير متكافئة، يخسر فيها الأبرياء أمام محتالين محترفين يختبئون خلف ستار من الأكاذيب والأوهام ويتقن المحتالون فن التخفي والتمويه، فهم ينتحلون شخصيات موثوقة، سواء كانت مؤسسات مالية مرموقة أو جهات حكومية رسمية، وحتى أشخاصًا نعرفهم ونثق بهم، لخداع ضحاياهم وسرقة معلوماتهم الحساسة وأموالهم.
وللاحتيال الإلكتروني مواسم تزداد فيه من أبرزها التخفيضات والتسوق الإلكتروني كيوم الجمعة البيضاء والأعياد والمناسبات الوطنية وبداية العام الدراسي ومن المواسم أيضا السفر والسياحة و الزكاة والصدقات.
قصص الضحايا
تروي «سارة الحربي»، معلمة متقاعدة، كيف فقدت مبلغًا كبيرًا من معاشها التقاعدي بعد أن تلقت اتصالًا هاتفيًا من شخص ادعى أنه موظف في بنكها، وأقنعها بتحديث بيانات حسابها عبر رابط مزيف أرسله لها. «لقد كانوا محترفين للغاية في حديثهم، لم أشك للحظة في أنهم ليسوا من البنك. بعد إدخال بياناتي، اكتشفت أن رصيدي بالكامل قد سُحب.»
وفي ظهيرة أحد أيام شهر شعبان، ذكر “أبو فيصل”، وهو موظف حكومي متقاعد من مكة المكرمة أنه تلقى مكالمة بدت رسمية من رقم هاتف جوال.
على الطرف الآخر، تحدث رجل بلهجة سعودية رسمية عرّف نفسه بأنه “من البنك المركزي السعودي”، وأخبره أن بطاقته البنكية تم استخدامها في عملية مشبوهة.
قال له المتصل: “نحن نوقف التحويلات الآن حفاظًا على رصيدك، لكن نحتاج منك بعض البيانات للتأكيد فقط: رقم الهوية وتاريخ الميلاد وآخر 6 أرقام من البطاقة البنكية”.
كان الصوت مقنعًا، والضغط النفسي كبيرًا. خلال دقائق، تمكّن المحتال من سحب كامل رصيد “أبو فيصل”، الذي تجاوز 100 ألف ريال.
استغلال الضعف البشري
من جهته يلقى البروفيسور محمد رزق الله الزهراني رئيس قسم علم النفس بجامعة أم القرى الأسبق الضوء على الجانب النفسي لعمليات الاحتيال قائلًا : «المحتالون غالبًا ما يستغلون نقاط الضعف النفسية لدى الأفراد، مثل الحاجة إلى الانتماء أو الخوف من فوات الفرص. يخلقون شعورًا بالضغط والإلحاح لاتخاذ قرارات سريعة دون تفكير كافٍ، مما يزيد من فرص نجاحهم.»
اما المهندس فهد البدر، متخصص في الذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني، يحذر من التطور المستمر في أساليب الاحتيال: «نشهد استخدامًا متزايدًا للذكاء الاصطناعي في عمليات الاحتيال، مما يجعلها أكثر دقة وصعوبة في الكشف. يجب علينا تطوير أنظمة دفاعية متقدمة تعتمد على نفس التقنيات لمواجهة هذا التحدي.
التقدم ببلاغات رسمية
من جانبه، يوضح المحامي حازم بن توفيقبن جبري أن «ضحايا الاحتيال الإلكتروني ليسوا بلا حول ولا قوة. القانون يحمي حقوقهم، وعليهم التقدم ببلاغات رسمية للجهات المختصة وجمع كافة الأدلة المتاحة. وعلى الرغم من أن استرداد الأموال قد يكون صعبًا في بعض الحالات، إلا أن الملاحقة القانونية للمحتالين تساهم في ردع الآخرين وتحقيق العدالة».
ويشدد على أهمية «توعية الضحايا بحقوقهم وتقديم الدعم القانوني اللازم لهم».
عدم الإبلاغ
ويؤكد الخبير الأمني اللواء متقاعد مسعود العدواني، على أهمية التعاون بين الأفراد والجهات الأمنية: «الكثير من عمليات الاحتيال لا يتم الإبلاغ عنها، مما يعيق جهود المكافحة. ويجب على الضحايا عدم التردد في تقديم البلاغات، وتزويد الجهات المختصة بكافة التفاصيل والمعلومات التي قد تساعد في تتبع المجرمين.» ومن الضروري أيضًا إبلاغ البنك أو جهة الدفع المعنية إذا كانت العملية الاحتيالية مرتبطة بحساباتهم المالية.
كما ينصح بتغيير كلمات المرور لجميع الحسابات الإلكترونية الهامة وتوخي الحذر من أي اتصالات لاحقة تدعي القدرة على استرداد الأموال مقابل رسوم.
ولمكافحة هذا المد المتصاعد من الجرائم الإلكترونية، لا بد من تبني إستراتيجية شاملة تتضمّن تعزيز الوعي والتثقيف الرقمي وتمكين الضحايا وتقديم الدعم القانوني والنفسي لهم لتجاوز هذه التجربة الصعبة.
7 سنوات سجن للنصب الإلكتروني
حدد نظام مكافحة الاحتيال المالي عقوبة السجن لمدة 7 سنوات وغرامة تصل إلى 5 ملايين ريال للنصب الإلكتروني ، و إذا ثبت تبديد الأموال بقصد الاحتيال، يمكن أن يزداد السجن إلى 15 سنة.
ولا تقتصر العقوبات على السجن والغرامات المالية فقط وإنما مصادرة الأدوات المستخدمة في الجريمة والنشر الإلزامي للحكم.
كما يمكن لوزارة التجارة فرض عقوبات إضافية مثل الغرامات والإيقاف.
وبعد تطبيق هذه العقوبات، شهدت السعودية انخفاضًا في حالات الاحتيال الإلكتروني.