خدعوك حين قالوا: كن ذاتك!

خدعوك حين قالوا: كن ذاتك!

في زمنٍ باتت فيه (النصائح المعلّبة) تُقدّم مجاناً على طرقات منصات التواصل، ويتناقل الناس عدوى فيروس المصطلحات أكثر من فيروسات الإنفلونزا، تبرز عبارات رنانة يتقاذفها الناس وكأنها حقائق لا تقبل مجرد التوقف، ومنها عبارة «كن أنت» التي يروّج لها (تجّار المعلّبات) وكأنها الترياق الشافي لكل القلق البشري المعاصر!.. عبارة تبدو ساحرة المظهر، لكنها في الواقع تحمل بين طيّاتها فخًا خفيًا، هو الدعوة للجمود، والإصرار على الخطأ، والضرب عرض الحائط بكل ملاحظات من حوله بحجة (هذا أنا)، ومن لم يعجبه فليشرب من البحر!.

يصوّر البعض أي محاولة للتغيير على أنها خيانة للذات أو تصنّع.. وهو تصور قد ترتاح له النفس البشرية بطبيعتها؛ لأنه يتركها على سجيتها (الخاطئة أحياناً)، رغم إدراكها – وأعني النفس البشرية- أن الإنسان الذي «يبقى كما هو» لن يتعلّم، ولن يتطور ولن ينضج، فكل ما في الكون يتغيّر ويتطوّر، وأنت لست استثناءً من هذا، بل إن جوهر إنسانيتك يظهر في قدرتك على التعلّم والتأثر والنمو ، من هنا فإن القاعدة الأصوب هي «كن أفضل من نفسك كل يوم».

الثبات ليس محموداً في كل الأحوال، والتغيير لا يعني التبعية ولا الرياء، بل يعني الوعي والتعايش، و تطوير النفس لا يعني أن تفقد هويتك، بل أن تصقلها وتكشف أفضل ما فيها، وتحسين أخطائك لا يعني أنك تتخلى عن ذاتك، بل أن ترتقي بها.. لذا من الضروري أن نفرّق بين من ينصحنا حبًا وحرصاً، ومن يوجّه لنا النقد شماتةً وتصيدًا، فالأول هدية، والثاني ضوضاء لا تستحق الالتفات.

كلُّنا لدينا عيوب، وكلنا بحاجة لمن يرشدنا إليها بلطف أو بحزم أحياناً، ومن يتوهم أنه فوق النصح والتطوير، سيعيش وهم الكمال المستحيل، لذا من المهم في زمن «الإلهام المعلّب» أن نراجع كل ما حولنا من شعارات، وألا نتعامل معها بعقلية القطيع التي تسير بالإيحاء أكثر مما تسير بالتفكير.

ليست البطولة في أن تكون (كما أنت)، بل أن نكون (أفضل مما كنت عليه بالأمس)، وأن تدرك أن التغير للأفضل ليس خيانة لذاتك، بل وفاء ودعم لها.. تعلّم كيف تفرّق بين انتقاد المحب، وشماتة الكاره، ولا تتكبر على كل ما يطورك للأفضل، وتذكّر دوماً أن من يخجل من تعديل مساره، لن يصل إلى أي مكان، ومن لا يصوّب أخطاءه، سيكرّرها بثمن أغلى في كل مرة.