الأمان خلال فريضة الحج: حاجة ملزمة شرعاً

الأمان خلال فريضة الحج: حاجة ملزمة شرعاً

نعيش هذه الأيام أفضل أيام الله، وهي الأشهر الحُرم التي فرضها الله منذ عهدِ سيدنا إبراهيم عليه السلام، وقد استمرت القبائل في شبهِ الجزيرة العربية على تحريم القتال فيها، بهدف تسهيل سير القوافل التجارية نحو مكة، ومع مجيء الإسلام استمرت حُرمة هذه الأشهر قائمة حتى الآن، وتمتد حرمتها إلى يوم القيامة.

وقد سُميِّت بذلك لزيادة حُرمتها، وعظم الذنب فيها، ولأن الله سبحانه وتعالى حرَّم فيها القتال، وقد بيّنها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حُرم، ثلاث متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب…». وذلك لإفساح المجال للحجاج لأداء المناسك على أكمل وجه؛ وشهر رجب لإفساح المجال للمعتمرين وتأمينهم على أنفسهم وأموالهم لدخول مكة. لذا فإن الاجتهاد في الطاعات فيها من أعظم الأعمال.

وقد أدركت القيادة السعودية منذ تأسيسها على يد الملك عبدالعزيز أهمية بسط الأمن.. حيث إن أول ما قام به تأمين دروب الحج وسلامة الحجاج، كما قام أبناءه البررة بحمل أمانة حماية المقدسات الإسلامية في مكة والمدينة؛ بالرغم من التدفقات البشرية التي تزداد عاماً بعد عام، حتى وصلت إلى عدة ملايين كل عام لأداء الحج، بالإضافة إلى أداء العمرة، وقد أعلن معالي وزير الحج والعمرة د. توفيق الربيعة؛ أن عدد المعتمرين والزوّار بلغ خلال الربع الأول من العام الجاري 2025م، أكثر من 6.5 مليون معتمر.. ويتوقع أن تصل بنهاية العام إلى أكثر من 15 مليون معتمر وحاج.

هذه الزيادة في العدد كان لابد معها؛ توفير الإمكانات اللازمة والبنى التحتية لها، وهذا ما تقوم به الدولة السعودية في التوسعات الضخمة للحرمين الشريفين، والبنى التحتية في المشاعر المقدسة من جسر الجمرات، وقطار المشاعر، وقطار الحرمين.. وفي كل عام هناك مستجدات أساسية في البنى التحتية، خاصة في المشاعر المقدسة لتوفير أقصى درجات الراحة والطمأنينة للحجاج؛ ومنها ما قامت به الهيئة الملكية لمكة المكرمة من استحداث أطول ممشى في العالم بطول 22 كم، ويمتد من عرفات إلى المسجد الحرام ويمر بمزدلفة ومنى.. وهو مزود بأرضية مطاطية لتخفيف الجهد على الحاج، ويوجد على جوانبه خدمات مياه مبردة للشرب، ومراوح رذاذ للتبريد، ومقاعد على جانبي الطريق، ودورات مياه، مع وجود تظليل المسارات لتخفيف حدة الحرارة على الحجاج.

ولأن سلامة الحجاج لابد أن يرافقها وعي بحملة: «لا حج بلا تصريح»، فهي تُطبَّق هذا العام بصورةٍ مكثفة تُشكر عليها وزارة الداخلية للكشف عن الحملات الوهمية، وخفض نسبة محاولة قائدي المركبات نقل الحجاج غير النظاميين.. لأن بعض ممن لا يخافون الله ولا حُرمة هذه الأيام الفضيلة يحاولون الدخول بدون تصريح للحج؛ حيث شهد العام الماضي دخول مكثف تسبَّب في وفيات جراء التكدس والدخول للمشاعر المقدسة، والاستيلاء على أماكن الحجاج النظاميين.. وهناك إجراءات صارمة طبقت هذا العام لمحاصرة المقيمين المخالفين لأنظمة الإقامة بالتفتيش، ورصد مرور السيارات والحافلات، والتأكد من وجود تصريح الحج عند الدخول إلى مكة المكرمة. كما استحدثت نقاط تفتيش داخل مكة، والبحث عن مخالفي الإقامة في التجمعات والدور السكنية في كل مكان، ناهيك عن التفتيش عن الإقامات في الحرمين الشريفين لحفظ الأمن وحماية الحجاج النظاميين.

وقد وضعت غرامات رادعة تصل إلى 100,000 ريال والتشهير بناقلي الحجاج غير النظاميين، وترحيل الوافدين منهم، ومصادرة المركبات، ومعاقبة من حاول أداء الحج دون تصريح بغرامة تصل إلى 20,000 ريال، وعقوبات بالسجن.. فحتى تأشيرات الزيارة لا يسمح لأصحابها بالدخول لمكة المكرمة.. فقط (بطاقة نسك)، والتي تعتبر هوية الحاج، وبها كافة بياناته وسجله الصحي، والشركة التي ينتمي إليها.

حقيقةً، لقد كان لرؤية 2030م دورٌ في استقبال ‏‏30 مليون معتمر وحاج سنوياً، وفي فتح أبواب ‏التطوير على مصراعيها لخدمة الحرمين الشريفين، وفي مقدمة ذلك متابعة ‏توسعة المسجد الحرام، حيث يُتوقَّع أن يصل استيعابه إلى (2.000.000) مُصل تقريباً في ‏وقتٍ واحد، وما زيارة خادم الحرمين الشريفين لمكة المكرمة؛ في مستهل حكمه الميمون، إلا إشارة ‏لمكانة مكة المكرمة في نفسه، وتأكيده على التطوير لراحة الحجاج والمعتمرين.‏. حيث ضخت الدولة السعودية 100 مليار دولار على مشروعات التوسعة الثالثة في المسجد الحرام، وشملت التوسعة مسطحات بناء بمساحة ‏1.470.000‏م2، وأصبح المطاف يستوعب‏107.000 طائف في الساعة، كل هذا رد عملي وحقيقي على ‏الناعقين، الذين يُشكِّكون في قدرة السعودية على إدارة الحج.‏