جيل اليوم… قادة الغد

كيف نربي جيلاً يواجه التحديات دون أن يفقد القيم؟
حين ننظر في عيون أبنائنا لا نرى طفولتهم فقط بل نلمح ملامح مستقبلٍ سيقودونه يوماً ما، نسمع في ضحكاتهم صوت آباء الغد وأمهات المستقبل وقادة المجتمع والوطن.
لكن يبقى السؤال الحتمي: كيف نربي أبناءً قادرين على مجابهة عالم متغير دون أن يفقدوا ثوابتهم وأصالتهم وهويتهم؟
إنها ليست مجرد تربية.. بل بناء جيلٍ قادرٍ على أن يحمل القيم كدرع لا كعبء.
التحديات ليست عذراً .. بل فرصة، نحن نربي أبناءنا في عالم تتنازعه المتغيرات السريعة والشاشات المفتوحة والمعلومات المتدفقة من كل اتجاه.
جيل يعيش الطفولة الرقمية قبل أن يكتمل نضجه الإنساني.. جيل يتعرض لأفكار العالم وهو بعد في مهده! لكن التحدي هنا لا يعني الاستسلام، بل يعني أن نربي بذكاء لا بضغط.. وأن نعيد صياغة المعادلة: أبناء أقوياء بالفكر راسخون بالقيم مرنون بالحوار عميقون بالوعي والإدراك.
من الأخطاء الشائعة أن نتصور أن القيم تلقن كدرس في كتاب.. لكن الحقيقة أن القيم تنقل بالمواقف بالنماذج بالقدوة.
لن يصدق ابنك حين تقول له “لا تكذب” وأنت تكذب على الهاتف أمامه، ولا تنفع دروس الاحترام إذا سمعك تسيء للناس دون مراعاة.. القدوة الحقيقية تزرع ما لا تشرحه وتربي دون أن تُحاضر.
الحوار .. هو السلاح التربوي المفقود، فجيل اليوم لا يرهب بالعقاب ولا يبنى بالصراخ، بل يكسب بالحوار، بالإنصات بالإقناع بالمشاركة.. كل طفل لا يمنح مساحة ليعبر.. سيكبر وهو يبحث عن صوته في أماكن أخرى.. وربما في منصات لا ترحم.. نحن لا نحتاج آباءً يحفظون نصائح بل آباءً يتقنون الإصغاء.
أغرس الهوية قبل أن يغرسها غيرك، إذا لم تغرس في ابنك حب دينه ولغته وتاريخه فسيغرس العالم فيه ما يريده.. وربما يقصيه عن أصله تماماً، فالهوية لا تعني الانغلاق.. بل تعني أن يعرف الطفل من هو ومن أين أتى وماذا يحمل في قلبه من عقيدة وأخلاق ووعي وإدراك.
كيف نعد أبناءنا ليكونوا آباءً صالحين؟
– أن نحترمهم وهم أطفال ليحترموا أبناءهم وهم كبار.
– أن نمنحهم الأمان العاطفي ليمنحوه لاحقاً لأسرهم.
– أن نعلمهم المسؤولية لا بالخوف بل بالثقة.
– وبأن نحبهم حباً يعلمهم أن الحب لا يقاس بالمقابل بل بالعطاء.
أبناؤنا ليسوا مشاريع مؤقتة.. بل امتداد لأخلاقنا ورسالة نرسلها للغد. فلنربيهم لا ليعيشوا كما نحب.. بل ليحبوا ما هو خي، وليكونوا كما يحتاجهم المجتمع والوطن: أقوياء بالإيمان أصيلين بالقيم مستمسكين بها مرنين في المواقف مبدعين في الفكر.
أبناء اليوم.. هم الذين سيقودون أسر الغد، فلنمنحهم إرثاً لا يصدأ وقيماً لا تنكسر.. وأجنحة لا تضل الطريق.