فصول الصيف الجامعية: غياب الوضوح!

فصول الصيف الجامعية: غياب الوضوح!

مع اقتراب نهاية كل عام دراسي، تتجدَّد معاناة شريحة من أعضاء هيئة التدريس، في بعض الجامعات والكليات السعوديَّة، وتتكرَّر معها الأسئلة نفسها حول آليَّة الترشيح للتدريس في الفصل الصيفي، والذي يُفترض أنْ يشكِّل فرصة لتعويض الفاقد الأكاديمي للطلبة، وتحقيق توازن بين العمليَّة التعليميَّة وحاجة بعض الكوادر الأكاديميَّة إلى ساعات إضافيَّة، ولكن أصبح في نظر الكثيرين عبئًا نفسيًّا ومصدرًا للإحباط، نتيجة ما يصفه البعض بـ”التمييز المقنَّع”.

وأبرز ما يثير الجدل في هذا السياق هو غياب الشفافية ومعايير واضحة ومعلنة لترشيح أعضاء هيئة التدريس للتدريس الصيفيِّ في كثير من الأقسام الأكاديميَّة، فيُدار هذا الملف بصورة اجتهاديَّة وارتجاليَّة، دون الرجوع إلى ضوابط مؤسسيَّة تضمن العدالة وتكافؤ الفرص، فيجد كثير من أعضاء هيئة التدريس السعوديِّين أنفسهم خارج دائرة الترشيح، دون مبرِّرات واضحة، بل أحيانًا دون حتى إشعار رسميٍّ برفض طلباتهم، والأخطر من ذلك هو تكرار ترشيح الأسماء نفسها عامًا بعد عامٍ، ومن المؤسف أنْ يقعَ الإقصاء، في كثير من الأحيان، على حساب الكفاءات الوطنيَّة، فبدلًا من تمكين عضو هيئة التدريس السعودي -الذي يمثِّل العمق الإستراتيجيِّ للتنمية في التعليم الجامعي- يُهمِّش البعض، وتُمنح الفرصة لأعضاء غير سعوديِّين.

ومثل هذه الممارسات ليست مجرَّد تجاوز إداريٍّ، بل لها تبعات نفسيَّة ومهنيَّة جسيمة، فالحرمان المتكرر دون مبرر يضعف الانتماء المؤسسي، ويخلق شعورًا بعدم التقدير، كما يؤثِّر سلبًا على تحفيز الأساتذة لبذل الجهد، ويؤدِّي إلى تفشِّي الإحباط، وفقدان الثقة في عدالة المنظومة الأكاديميَّة.

إنَّ إصلاح هذا الخلل لا يتطلَّب سوى إجراءات بسيطة ولكنَّها فعَّالة، تبدأ من وضع لائحة تنظيميَّة معلنة للترشُّح للفصل الصيفيِّ، تعتمد معايير عادلة مثل عدد المقررات التي تم تدريسها خلال العام، تقييم الأداء، مدى الحاجة الأكاديميَّة، وعدد المرَّات التي سبق الترشُّح فيها، وتشكيل لجان محايدة داخل الكليات تتولى فرز الطلبات والنظر فيها بمعزل عن العلاقات الشخصيَّة، أو الاعتبارات غير الموضوعيَّة، كذلك تمكين الجهات الرقابيَّة الداخليَّة (مثل عمادات شؤون هيئة التدريس، أو وحدات الجودة) من مراقبة سير العمليَّة، وضمان شفافيتها.

وأخيرًا، فإنَّ استمرار آليَّة الترشيح للفصل الصيفيِّ بصورتها الحاليَّة لا يخدم العمليَّة التعليميَّة، ولا البيئة الأكاديميَّة، وعلى إدارات الجامعات أنْ تدرك أنَّ ترسيخ مبدأ الشفافيَّة والعدالة في التفاصيل الصغيرة -مثل هذا الملف- هو ما يصنع الثقة المؤسسيَّة، ويعزِّز من جودة الأداء الأكاديميِّ على المدى البعيد.