أيها العرب، انطووا على الماضي واستقبلوا المستقبل!

أيها العرب، انطووا على الماضي واستقبلوا المستقبل!

العرب منذ العصر الجاهلي، حتَّى يومنا هذا، اشتهروا بحالة التفاخر بماضيهم، وتناحرهم المستدام؛ لسبب أو دون سبب، فكل جيل منهم نجده يفاخر بمن كان قبله، ويتمثَّل به في سلوكه ومعاملته، وكل قبيلة أو طائفة تحارب جيرانها، وهكذا تتوالى الأجيال مكرِّرة حال مَن قبلها، وهذا الحال ورد وصفه في الحديث الشريف في قوله: (لتَتبعُنَّ سَنَنَ مَن كَانَ قَبلَكُم حَذَو القذَّةِ بالقذَّةِ حتَّى لوْ دخلُوا جحرَ ضَبٍّ لدخلتمُوه) فالحديث هنا يصف حال العرب في حالة التقليد الشامل فيما بينهم، أو تقليدًا لليهود والنصارى، كما ذكر بعض المفسرين.

ولعل هذه الحالة المسمَّاة بالثرثرة الفارغة، أو ما يسميها البعض باللهجة العاميَّة الهياط التي لا تحمل فكرًا ناضجًا، ولا فعلًا مبدعًا، ولا استشرافًا إيجابيًّا للمستقبل، هذه النظرة الضامرة التي تكتنزها عقول البعض منهم تُعدُّ أحد أهم أسباب الجمود الفكريِّ والأميَّة المقنَّعة التي سادت ولازالت تعيش بينهم.

وعندما أرسل الله تعالى إليهم نبيًّا من أنفسهم ليخرجهم من ظلمات الجهل والصراعات إلى نور العمل المنتج لعبادة الله تعالى، وإعمار الأرض، ثم أنزل لهم كتابًا يُتلى عليهم فيه كل الأسس والمبادئ والقيم التي تتطلَّبها، هذا الكتاب الكامل التام المفصل نجد أنَّهم بعد وفاة الرسول -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم- عادوا إلى ما كانوا عليه تدريجيًّا، حيث بدأت صراعاتهم تعود لطلب السلطة بالسَّيف والقتل والسلب والنهب، أمَّا دستور الحياة الذي أنزله الله تعالى لهم، فقد هجروه بعد أنْ استطاع الفرس -ومعهم اليهود- أنْ يغزوهم من خلال دينهم الذي يُعدُّ عصمة أمرهم وقوتهم.

ولعلَّنا في هذه الأيام نلمس بجلاء، تلك الحالة المشينة في خضم الأحداث الساخنة والمتلاحقة، التي يعيشها العالم اليوم من حولنا، ويعيشها العالم العربي بصفة خاصة، نجد أنَّ المملكة العربيَّة السعوديَّة تسعى قيادتها جاهدة لتصحيح هذا الواقع المستدام والمخجل باتجاه عالم المستقبل، بعد أنْ جعلت أفعالها تسبق أقوالها، كما هو حال الدول الكُبْرى ذات المكانة الكُبْرى والسيادة العُظمى، وليس كمثل مَن يقول، ثمَّ يقول، ثمَّ يقول، ثمَّ يذوب قوله قبل الفعل، فهذه الفئة وللأسف الشديد لازالت تسحب الأمَّة إلى الماضي كمثل مَن يقود النَّاس من النور إلى الظلمات، ثمَّ نرى هذه الفئة تحديدًا تنفث ما يكتنز بداخلها من حقد وكراهية متجذِّرة في أعماق فكرها وتدبيرها، ولعل الأحداث المتسارعة في أروقة الوطن العربي كما يحدث في غزَّة -على سبيل المثال لا الحصر- وما تضمنته من تبعات سياسيَّة واقتصاديَّة واجتماعيَّة، وما حدث في لبنان وسوريا والعراق واليمن، قد نال من تلك الشعوب الكثير من ألوان القتل والتهجير والتدمير من قِبل العدو الإسرائيلي، حيث كشفت لنا الكثير من المستور، وهذا أمر طبيعي فالمحكَّات دومًا تكشف البواطن المخفيَّة.

وفي ظل تلك المناوشات الكلامية الببغاوية، برزت السعودية العظمى بصمت لتجمع العالم الإسلامي والعالم العربي، واستطاعت خلال ذلك أنْ تفعل ما يعجز عنه الكثير من قادة العالم، حيث استطاعت أنْ تبلور موقفًا إسلاميًّا وعربيًّا وخليجيًّا واحدًا، يندد بكل ما فعلته إسرائيل، ويستجلب الحلول السلمية لهذه القضية المستعصية، ويقيني أنَّ المستقبل سوف يبرز الكثير من التحوُّلات الإيجابيَّة لتنتج لأمتنا العربيَّة سلامًا وأمنًا مستدامًا للشعوب العربيَّة خاصَّةً، وللعالم الإسلاميِّ كافَّة، كما استطاعت أنْ تقول للعالم وخاصة الدول الكُبْرى، وهيئة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن المتخاذلين جميعًا عن قضايا العرب، أنتم قاصرون في تنفيذ مهامكم الدوليَّة، ونشر الأمن والاستقرار الموكل إليكم، ولا شكَّ بأنَّ المملكة العربيَّة السعوديَّة ذات الثقل السياسيِّ والاقتصاديِّ العالميِّ قد استطاعت أنْ تضع خارطة طريق من خلال أسلوبها الهادي والحكيم، واستطاعت أنْ تطوِّع مقدراتها التي أصبحت تنافس الدول الكُبْرى فيها، ويقيني أنَّ العرب لو استطاعوا أنْ يدفعوا بقواهم الاقتصاديَّة والجغرافيَّة إلى جانب المملكة العربيَّة السعوديَّة، واجتمعوا في قرارهم، ستجعل تلك الدول تنظر لمنطقتنا العربيَّة نظرة إكبار واعتبار، وستعيد بلورة قراراتها تجاه العالم العربي، وما يستوجب أنْ يكون التكاتف والتلاحم والتعاون العربي، وفق خطط إستراتيجيَّة تستشرف من خلالها المستقبل بكلِّ مدخلاته؛ لتواكب ما يعيشه العالم المتقدِّم من تنامي في مختلف المناحي الحياتيَّة.