دعوة الحج تعزز الإيمان بالتوحيد

دعوة الحج تعزز الإيمان بالتوحيد

تقوم منهجيَّة جميع الأنبياء والكتب السماويَّة على توحيد الله، وإفراده بالعبادة، وعدم إشراك معه أحدًا في ذلك؛ لأنَّ ذلك حقَّه وخصوصيَّته التي لا يشاركه فيها أحد -سبحانه وتعالى- ولهذا اعتبر الله -سبحانه وتعالى- أنَّ الشِّرك ظلمٌ عظيمٌ وجريمةٌ لا تُغتفر، كما نصَّ على ذلك القرآن الكريم، ولأنَّ الإنسان عبَّر الأزمنة والسِّنين تتخبَّطه الشياطين، وتجعله ينحرف عن مسار التوحيد، فإنَّ الله -سبحانه وتعالى- يذكر بالتوحيد، ويجدد مفهومه في الأذهان، من خلال الأنبياء والمرسلين، ونداء أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم -عليه السلام- للحجِّ بعد إقامة، وبناء بيته في مكَّة المكرَّمة ليس إلَّا تأسيسًا لعبادة الحجِّ، وتجديدًا لمعنى التوحيد (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ)، وبهذا يكون تكفُّل الله -سبحانه وتعالى- بحتميَّة الوفود إلى مكَّة المكرَّمة، وإلى بيته من مشارق الأرض ومغاربها، كما ذكرت الآية.

إنَّ نداء الحجِّ عالميٌّ، بالإضافة إلى دعوته للتوحيد، فإنَّه يعلن الحرب على العنصريَّة والطائفيَّة والتمايز الانسانيِّ أيًّا كان لأنَّ الله -سبحانه وتعالى- صدر النداء بقوله: «وَأَذِّن فِي النَّاسِ» فالنَّاس كلهم مدعوون لأداء ركن الحجِّ الذي هو فرض عليهم لمن استطاع إليه سبيلًا إن كانوا مسلمين، وإن كانت ظاهرة الحجِّ والنداء الإبراهيمي له يُعدُّ تحديدًا عبادة، وتجديدًا لمعنى التوحيد، إلَّا أنّه في الوقت نفسه ليس إلَّا إظهارًا لعالميَّة الإسلام، ومعنًى قويًّا لتوحيد الأُمَّة الإسلاميَّة، كما أنَّه معجزة زمانيَّة مكانيَّة، زمانيَّة كونه يحدث جيلًا بعد جيلٍ، وفي زمن محدَّد، وأيام محدَّدة، ومكانيَّة كونه لا يكون إلَّا في مكَّة المكرَّمة ومشاعرها المقدَّسة (عرفات، مزدلفة، منى)، بالإضافة إلى ذلك، فإنَّ الحجَّ والدعوة الإبراهيميَّة لإقامته عبر النداء الإلهي (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ) مظهرٌ من مظاهر الإنسانيَّة الاجتماعيَّة بكل معانيها ومراميها، فالأحكام الشرعيَّة في أداء الحجِّ من طواف، وسعي، ووقوف في عرفات، والمرور في مزدلفة، والمبيت في منى، وبقية أحكام النُّسك، إنَّما لا يُستثنى منها أحد.

إن مشهد الحج في القنوات الفضائية اليوم، يقف أمامه كل منصف مبهورا أن يجتمع في مكان واحد ملايين البشر، يتحركون حركة محددة، في أوقات محددة، متآلفي القلوب، متجانسي الأرواح، ومتقاربي النفوس يعلنون بصوت واحد، أنه لا شريك، ولا ند لله الواحد القهار، من خلال عبارة «لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك» إنَّه أسمى وأقوى مظهر للتأكيد على التوحيد وتجديده في النفوس بعبارة «لا شريك»، وبهذا التواجد، والتوافد إلى مكَّة المكرَّمة الذي نشهده هذه الأيام يجدِّد نداء التوحيد في النُّفوس، وأن ليس معبودًا بحقٍّ إلَّا الله، فاللهمَّ لبيك، لبيك لا شريكَ لكَ لبيك إنَّ الحمد والنعمة لك والملك، لا شريك لك.