عطبرة في يوم التروية!

اليوم الأربعاء هو يوم التروية، اليوم الثامن من شهر ذي الحجة العظيم، يوم تبدأ فيه رحلة القلوب إلى مشاعر الطمأنينة والتجرد، وتروى فيه الأرواح قبل الأجساد، وتتهيأ النفوس للوقوف بعرفة، حيث المشهد الأعظم.
سُمّي هذا اليوم بالتروية لأن الحجاج كانوا يتزودون فيه بالماء استعدادًا ليوم الحج الأكبر، لكنه لا يزال حتى اليوم يمثل رمزًا للتأمل والارتواء الإيماني، فهو مشهد لا يحتاج إلى وعظ أو شرح، يكفي حضوره ليبلغ أثره الكامل. في كل عام، ووسط هذا المشهد الجميل، تبرز جهود المملكة العربية السعودية الضخمة، في إدارة أعظم تجمّع بشري موسمي في العالم، من خلال منظومة متكاملة يشهد لها القاصي والداني، حيث تسخّر الإمكانيات، وتُوظَّف الكفاءات والتقنيات لخدمة ضيوف الرحمن، بتنظيم دقيق يشمل كل تفاصيل الرحلة من حركة الحشود إلى الأمن والصحة والسلامة، وكأن المشاعر كلها تحولت إلى جسد واحد؛ ينبض بروح وهمّة واحدة.
لكن رغم كل هذا الإجماع، لا تزال هناك قلوب ظمأى، وأدمغة مؤدلجة، ونفوس كارهة حاقدة، لا ترويها الحقائق، ولا تقنعها العيون، فتتعامى عن الحقائق، وتتناسى الهدف الإيماني الأسمى، بحثاً عن ثغرة، أو هفوة، في هذه الأعمال العظيمة، وإن لم تجدها اختلقتها، ورغم شهادات المنصفين بالتحسين المستمر والتسهيلات المتعاظمة، يواصل هؤلاء المؤدلجون، محاولات التشويه؛ بدوافع إما سياسية أو أيديولوجية أو حتى طائفية، لا علاقة لها بالحق ولا بالحج وقدسيته.
مثل هذه الأكاذيب كانت تجد في الماضي مَن يُصدّقها، حين كان الإعلام حبيس إعلام الحكومات الكارهة، والوسائل القديمة المُحتَكَرة والمُوجَّهة، أما اليوم ومع انتشار التصوير والإعلام الحر، فالحقيقة يرويها ملايين الناس بالصوت والصورة دون وسيط، في مشاهد نزيهة حرَّة لا تترك مجالًا للريبة أو التضليل. في يوم تُروى فيه كل القلوب بالإيمان، تبقى بعض النفوس الجاحدة عطشى؛ كمن يشرب من البحر، لا لشيء إلا لأنها لا تريد أن ترتوي؛ وتقنع بالحق الذي تراه.. وستبقى بلادنا التي اختصها الله بهذا الشرف العظيم ماضية في واجباتها وخدماتها الجليلة لضيوف الرحمن، دون أن تلتفت لهؤلاء المرضى؛ مهما بلغ بهم الحقد والعطش، فالحق أبلج، ومَن لم تَرْوِهِ الحقائق، لن يروي ظمأه شيء، ولو شرب كل أنهار الدنيا.