دروع بشرية إسرائيلية: الأمن وسط المستوطنين وقصة عدوان مبنية على معلومات خاطئة

غزة- المركز الفلسطيني للإعلام
في مشهد يعكس عمق التناقض الأخلاقي والسياسي الذي يتلبّس سردية الاحتلال الإسرائيلي، تتكشف مرة تلو الأخرى الحقيقة التي يحاول إخفاءها خلف أطنان من التضليل الإعلامي: إسرائيل لا تكتفي بتوجيه الاتهامات للمقاومة الفلسطينية باستخدام “المدنيين كدروع بشرية”، بل تمارس هذا الفعل بمنهجية متقنة، من خلال زرع بُنى منظومتها الأمنية والعسكرية في قلب الأحياء المدنية، وتحت عباءة “المدن العصرية”.
عاجل | المتحدث العسكري باسم القوات المسلحة الايرانية:
– في الليالي القليلة الماضية، نجحنا في ضرب أهداف حساسة وهامة، بما في ذلك مراكز عسكرية وأمنية، ومراكز صنع القرار للنظام، ومساكن القادة العسكريين والعلماء في أراضيكم المحتلة.
– لدينا الآن قاعدة بيانات كاملة للمعلومات حول جميع…
— المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) June 15, 2025
فما يُصوَّر على أنه “واقع حضري” في الإعلام العبري، هو في جوهره نموذج فجّ لاستخدام المستوطنين كدرع أمني حي، يدفع ثمنه المدني الإسرائيلي متى قررت قوى المقاومة أو أطراف خارجية الرد على العدوان.
#صورة جوية تظهر الدمار الواسع في مدينة “ريشون ليتسيون” جنوب “تل أبيب” نتيجة قصف صاروخي إيراني مباشر. pic.twitter.com/XrMDXGBBRC
— المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) June 14, 2025
ضربة إيرانية تكشف المسكوت عنه
القصف الإيراني فجر السبت، والذي ضرب عمق “تل أبيب الكبرى”، لم يكن مجرد استهداف عسكري عابر، بل صفعة مباشرة للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية في خاصرتها “المدنية”. أحد الصواريخ أصاب مجمع “الكرياه”، المقر المركزي لوزارة الحرب وهيئة الأركان العامة، وأحد أكثر المواقع الاستراتيجية حساسية في قلب “تل أبيب”.
مجمع “الكرياه” ليس في صحراء أو منطقة أمنية معزولة، بل يقع وسط منطقة تجارية وسكنية مزدحمة، تحيط به مجمعات تجارية ضخمة مثل “عزرائيلي”، وأحياء سكنية فاخرة، وحدائق عامة تعج بالمدنيين.
القصف أوقع قتلى وجرحى من المستوطنين، ولم يكن ذلك مفاجئًا، فالموقع ذاته، بما يحويه من رمزية عسكرية، محاط بمستوطني الداخل الذين يُتركون ليشكلوا جدارًا بشريًا صامتًا حول مراكز القيادة.
جانب من عمليات رفع الأنفاض والبحث عن مفقودين بعد قصف صاروخي إيراني استهدف 4 مباني في “ريشون ليتسيون” جنوب “تل أبيب”. pic.twitter.com/CmcJXylntx
— المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) June 14, 2025
مقار أمنية في قلب النسيج المدني
ليس “الكرياه” وحده من يفضح زيف ادعاءات الاحتلال. جهاز “الشاباك”، المُتخم بملفات الملاحقة والتجسس ضد الفلسطينيين، يتخذ من حي “رمات أفيف” الراقي في شمال “تل أبيب” مقرًا له.
الحي ذاته يضم جامعة تل أبيب، مدارس، وأسواقًا شعبية، أي استهداف لمقر “الشاباك” لن يكون عسكريًا خالصًا بأي حال من الأحوال، بل سيكون بمثابة تفجير داخل كتلة مدنية مكتظة.
وعلى بعد كيلومترات فقط، يتوارى مقر “الموساد” داخل حي مدني آخر قرب “رمات هشارون”، قرب مفارق طرق مزدحمة وأحياء سكنية، في موقع لا يوحي بأي طابع أمني ظاهر. إنه الاندماج الماكر بين الأمن والاستيطان.
وفي القدس، تتوزع مقار الشرطة العامة ووحدات الأمن الحكومية وسط أحياء مدنية غربية وشرقية، في محاذاة الشيخ جراح وبيت حنينا، وفي مناطق مكتظة بالسكان، حيث يتداخل الأمني بالمدني، والرصاصة بالشارع.
#صورة | سماء تل ابيب تبدو لوحة فنية بعد قصف إيراني مكثف مع ساعات الصباح . pic.twitter.com/kYwZTyLmJM
— المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) June 14, 2025
ازدواجية في الخطاب… وعدوان باسم الكذبة
بينما تبني إسرائيل منظومتها الأمنية وسط مدنييها، لا تتوانى عن شن حملات إعلامية واسعة تتهم فيها فصائل المقاومة الفلسطينية باستخدام “المدنيين كدروع بشرية” في قطاع غزة، وهي سردية مكذوبة، دحضتها تقارير أممية، وصُورت عبر مئات الشهادات المصورة، التي توثق استهداف الاحتلال لمستشفيات، ومدارس، ومراكز إيواء تعج بالنازحين.
لكن الاحتلال لا يكتفي بتلفيق الكذبة؛ بل يذهب إلى أبعد من ذلك في تصديقها، واستخدامها كذريعة “قانونية” أمام المجتمع الدولي، لتبرير مجازر جماعية تحصد أرواح آلاف المدنيين، بينهم نساء وأطفال، على مدار شهور من الإبادة الممنهجة.
إرهاب إسرائيل يرتد عليها .. صواريخ إيران تكسر وهم الحصانة
المفارقة المؤلمة: من يدّعي حماية المدنيين هو من يجعلهم وقودًا لآلته الأمنية
هذه الصورة المقلوبة تضعنا أمام معادلة أخلاقية خطيرة: الاحتلال، الذي يزعم الحرص على أرواح مدنييه، هو ذاته من يزرع مراكزه الاستخبارية والعسكرية بينهم، في عملية محسوبة هدفها تحويل المدني إلى متراس، والشارع إلى خط دفاع أول.
وفي المقابل، لا يتورع عن تحميل المقاومة وزر كل ضحية فلسطينية، عبر خطاب استعلائي يتجاهل حقيقة أن آلة الحرب المتفوقة إسرائيليًا هي التي تسحق الأحياء السكنية على رؤوس ساكنيها، تحت غطاء كذبة إعلامية متكررة.
ضربة إسرائيلية تستهدف أكبر حقل للغاز في إيران
حين يصبح المدني غطاءً لا ضحية
ما تكشفه الوقائع الميدانية من “تل أبيب” إلى القدس، ليس فقط خرقًا لقواعد الحرب، بل تجسيدٌ صارخ لنفاق ممنهج. فمن يتهم الآخرين باستخدام الدروع البشرية، يمارسها بنفسه بأبشع الصور، محولًا مدنه إلى ثكنات، وسكانه إلى دروع، وحربه إلى كذبة مستمرة.
وفي زمن يُقصف فيه الأطفال في غزة بدعوى الدفاع عن النفس، يصبح من الملح أن يُطرح السؤال الحقيقي: من هو العدو الحقيقي للمدنيين؟ ومن يختبئ خلفهم حقًا؟