غزة في العيد: أيتام يعيشون في خيام ودماء على الأرصفة بدلاً من الأضاحي

غزة – المركز الفلسطيني للإعلام
في زاوية مخيم نزوح بدائي بخان يونس، يجلس الحاج علي المغربي (71 عامًا) على قطعة خشب مهترئة، يراقب بعينين مطفأتين أحفاده الأربعة وهم يتقاسمون كسرة خبز ووجع الفقد.
فقبل شهور، سُلب هؤلاء الأطفال والديهم في غارة إسرائيلية، وباتوا كآلاف الأطفال في قطاع غزة، وجها لوجه مع يتمٍ مفجع في أيام كان من المفترض أن تحمل الفرح وتضجّ بالضحكات.
نزلوني، بدي أحضنها.. وداع مؤلم من شاب مصاب لوالدته التي استشهدت أثناء توجهها إلى مركز توزيع المساعدات الأمريكية في رفح. pic.twitter.com/P2bZVD91sW
— المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) June 7, 2025
عيد تحت القصف.. لا بهجة ولا أضاحي
لم تعد الساحات تمتلئ بالأضاحي كما اعتادت غزة في عيد الأضحى، بل امتلأت بالركام والجثامين، وبالأسى المتغلغل في ملامح النازحين.
فبدلاً من ذبح العجول والخراف، تُذبح الطفولة كل يوم، وتسيل دماء الشهداء بدل دماء الأضاحي.
بأي حال جئت يا عيد ..
أطفال غزة ونسائها تتجول في الطرقات منذ الصباح الباكر لتجمع الأوراق واكياس النايلون الفارغة لإشعال النار لطهي الطعام لهم ولعائلاتهم في ظل انعدام وجود غاز الطهي. pic.twitter.com/FUP56xtrd3— المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) June 7, 2025
يقول المغربي للمركز الفلسطيني للإعلام: “كنّا نربط العجل أمام البيت، ويهلل الأطفال حوله، نذبح ونوزع ونفرح، لكن العيد اليوم صار موعدًا للبكاء على الأحباب وتذكّر البيوت التي صارت ترابًا”.
أحفاده، الذين لم يتجاوز أكبرهم 13 عامًا، لا يعرفون من العيد سوى الخيمة والتراب وذكرى أم وأب غابا دون وداع.
بعد أن كان مكانا للترفيه والتنزه في العيد.. ميناء غزة يتحول إلى مأوى للنازحين من مختلف مناطق القطاع، وسط غياب مظاهر عيد الأضحى مع استمرار الحرب وسقوط الشهداء والمصابين | تقرير: أنس الشريف #الأخبار #حرب_غزة pic.twitter.com/n5o7TU8gI5
— قناة الجزيرة (@AJArabic) June 7, 2025
أسئلة اليُتم لا تجد أجوبة
الحاج أبو تحرير أبو دقة (68 عامًا)، النازح من بلدة عبسان الكبيرة، يروي كيف يعجز عن الإجابة على أسئلة حفيديه، أشرف وريتال، حول والدتهما التي استشهدت قبل أشهر.
العيد الرابع..
#شاهد | أطفال غزة يقضون عيد الأضحى المبارك بين الركام والدمار وتحت القصف والمجاعة pic.twitter.com/4GQRICwwRB— المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) June 7, 2025
“كلما اقترب العيد يسألاني: متى ترجع ماما؟ لماذا لا نلبس مثل باقي الأطفال؟ ما معنى العيد إذا لم تحتضننا أمّنا؟”. قالها أبو دقة والدموع تسابق كلماته.
هذان الطفلان، كآلاف غيرهما، يشهدان العيد دون عيد. تمضي الأيام وتتراكم الأعياد، لكنهم لا ينسون ولا يبتسمون.
الفرحة المذبوحة.. خراف العيد تحولت إلى رماد
قبل الحرب، رغم الحصار والضيق، كان الناس يشترون الأضاحي بأي وسيلة، فقط لرسم بسمة على وجوه أبنائهم، اليوم، الخراف والعجول تكاد تنقرض، والأسواق فارغة، واللحم أصبح أمنية.
سامي اللحام، تاجر أغنام من بلدة القرارة، يوضح أن ما تبقى من الثروة الحيوانية لا يتجاوز 5% مما كان عليه قبل الحرب.
عيد غزة بلا لحم… وكيس الطحين أمنية للنازحين المجوّعين
“الاحتلال لم يترك شيئًا.. المزارع أُحرقت، المواشي قُتلت، حتى الأعلاف لم تسلم. كان عندي 500 رأس عجل وبقر في مثل هذا الموسم، واليوم لا أملك شيئًا”.
كيلو لحم الخروف الحي تجاوز 230 شيقلًا، ولحم الجمل 150، والعجول اختفت تمامًا، اللحوم المجمدة التي كانت تُمثل طوق نجاة مؤقت، لم تعد موجودة إلا في الذكريات.
فلسطيني خلال تشييع شقيقه الذي اســتــشــهــد وهو يبحث عن الطعام في ظل حرب التجويع المستمرة: “أخوي استشهد وعمره 20 سنة، في أول فرحة شبابه، وهو يبحث عن الطعام يا مسلمين، وينكم يا مسلمين؟” pic.twitter.com/hGSvZJBhps
— المركز الفلسطيني للإعلام (@PalinfoAr) June 7, 2025
37 ألف طفل يتيم.. و180 ألف جرح لا يلتئم
غزة تستقبل عيد الأضحى الرابع منذ بدء العدوان، وهي تئن تحت وطأة كارثة إنسانية شاملة. أكثر من 180 ألف شهيد وجريح – غالبيتهم من الأطفال والنساء – وآلاف المفقودين، ومجاعة حصدت أرواح أطفال لم يعرفوا غير الحرب.
التقديرات تشير إلى أن نحو 37 ألف طفل فقدوا أحد والديهم أو كليهما منذ بدء الحرب في 7 أكتوبر 2023. هؤلاء الأطفال لا يحملون حقائب مدرسية، بل ذكريات موت، وصورًا معلقة على جدران الخيام.
غزة تستقبل عيدها الرابع تحت وطأة الإبادة والتجويع
صرخة من قلب العيد: إلى متى؟
وسط هذا الخراب، لا يطلب الغزيون إلا ما هو بسيط وإنساني: أن يعيشوا كما يعيش باقي البشر. أن يفرح أطفالهم بالعيد، أن يذبحوا الأضحية ويشاركوا الجيران، أن لا يناموا على وقع الطائرات، وأن لا يدفنوا أحبّاءهم كل صباح.
للعام الثاني.. غزة تستقبل عيد الأضحى بلا أضاحي
“اللهم أنهِ هذه الحرب. كفى.. غزة لم تعد تطيق مزيدًا من الوجع”، يختم الحاج المغربي دعاءه.
وفي وجه هذا الألم العظيم، لا تزال غزة تقاوم. لا تزال تحمل الحكاية، وتصر على أن تُسمع العالم صوتها: “نحن أحياء رغم الموت، ونحن باقون رغم الجراح.”