تحليل استراتيجي: آفاق السلطة الفلسطينية بعد معركة طوفان الأقصى

بيروت – المركز الفلسطيني للإعلام
أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات، تقدير استراتيجي حول مستقبل السلطة الفلسطينية في ضوء معركة طوفان الأقصى.
وطرح التقدير خمسة سيناريوهات حول مستقبل السلطة الفلسطينية تتضمن بقاء الوضع الراهن، أو العودة إلى ما قبل انتخابات 2006، أو تفكيك الاحتلال للسلطة الفلسطينية، أو إصلاح النظام السياسي الفلسطيني، أو إقامة نظام سياسي جديد خاضع للسياسات الإسرائيلية. ويناقش التقدير هذه السيناريوهات وعملية الترجيح بينها؛ ثم يقدّم توصياته لصانع القرار الفلسطيني في مواجهة التحديات.
وخلص إلى أن عملية طوفان الأقصى تشرين الأول/ أكتوبر 2023 شكّلت منعطفاً مهماً في تاريخ القضية الفلسطينية، ولم تكن انعكاساتها على المستويين المحلي والإقليمي فحسب، بل تعدّت ذلك ليصل تأثيرها إلى المستوى الدولي.
وقد شنَّ الاحتلال الإسرائيلي حرب إبادة ودمار وتجويع على قطاع غزة، حاول من خلالها سحق المقاومة، والضغط على الحاضنة الشعبية، من أجل فرض هيمنته وشروطه ومعاييره. وهذا يلقي بمسؤولية كبرى على القوى الفلسطينية للمسارعة في ترتيب البيت الفلسطيني، ومواجهة أخطار الضم والتهجير، وتفكيك النظام السياسي الفلسطيني، وشطب القضية الفلسطينية.
فيما يلي نص التقرير
مقدمة:
نشأت السلطة الفلسطينية سنة 1994، بناء على اتفاق أوسلو في السنة التي سبقتها، وبدعم أساس من حركة فتح التي تقود عملياً منظمة التحرير الفلسطينية وتهيمن عليها.
لم تحقق السلطة الفلسطينية الأهداف التي نشأت لأجلها وعلى رأسها إقامة دولة فلسطينية مستقلة على فلسطين المحتلة سنة 1967 أي الضفة الغربية وقطاع غزة. وتحوَّلت مع الزمن إلى كيان وظيفي يخدم أغراض الاحتلال أكثر مما يخدم أهداف الشعب الفلسطيني؛ وظل الاحتلال الإسرائيلي قائماً يُعزِّز قوته وتواجده في الضفة، بينما يواصل حصاره الخانق على قطاع غزة، في الوقت الذي يتكرس فيه الانقسام الفلسطيني. وقد جاءت معركة طوفان الأقصى لتُشكّل لحظة مفصلية في تاريخ قضية فلسطين، ولتدخل السلطة الفلسطينية والنظام السياسي الفلسطيني والشعب الفلسطيني أمام استحقاقات تاريخية كبرى؛ المأزومة أصلاً أمام أزمة وجودية.
أولاً: السلطة الفلسطينية في أجواء طوفان الأقصى:
كانت أبرز المعطيات المتعلقة بالسلطة الفلسطينية ومسارها السياسي وبنيتها المؤسسية عند وقوع طوفان الأقصى تتلخص فيما يلي:
استمرار هيمنة حركة فتح على السلطة في رام الله، وعلى منظمة التحرير الفلسطينية، واحتكار ما يعرف بـ”الشرعية الفلسطينية”.
استمرار التزام السلطة الفلسطينية بمسار التسوية السلمية واتفاق أوسلو وحلّ الدولتين.
استمرار التزام سلطة رام الله بالتنسيق الأمني مع الاحتلال، ومطاردة المقاومة، بالرغم من وجود أغلبية فلسطينية واسعة تعارض ذلك، وبالرغم من صدور قرارات من المجلس الوطني والمجلس المركزي الفلسطيني بوقف هذا التنسيق.
سيطرة سلطة رام الله على نحو 20% فقط من الضفة الغربية إدارياً وأمنياً، ومع ذلك، فحتى هذه المناطق ظلت بشكل دائم عرضة لاستباحة الاحتلال الإسرائيلي لها.
معاناة السلطة في رام الله من التحكم الاقتصادي والمالي الإسرائيلي، من حيث تسليم واردات الضرائب، والتحكم بالصادرات والواردات، والقدرة على تدمير البنى التحتية، ومصادرة الأراضي وغيرها.
معاناة السلطة في رام الله من الفساد والمحسوبية، وسيطرة اللون الواحد عليها.
حالة الانقسام الفلسطيني التي تكرست منذ سنة 2007، مع سيطرة فتح على السلطة في الضفة، وسيطرة حماس على السلطة في غزة. وتهرُّب القيادة “الرسمية” للسلطة ولمنظمة التحرير من عمل أي انتخابات حرة شفافة وتشكيل قيادة فلسطينية تعكس الإرادة الحرة للشعب الفلسطيني، وتشكيل حكومة جديدة للسلطة برئاسة محمد مصطفى دون استشارة حماس وفصائل المقاومة من خارج منظمة التحرير.
متابعة حماس قيادة الأمر الواقع لقطاع غزة، بالرغم من ترحيبها بالتفاهم مع قيادة السلطة في رام الله، لتشكيل حكومة وحدة وطنية، تتولى قيادة السلطة في الضفة والقطاع.
قيام كتائب عز القسام بتنفيذ عملية طوفان الأقصى في 7 أكتوبر 2023، والتي أحدثت هزة كبيرة في الكيان الإسرائيلي، وشكلت حدثاً مفصلياً في التاريخ الفلسطيني. ونتج عن ذلك عدوان إسرائيلي وحشي على قطاع غزة وحرب إبادة جماعية ودمار هائل في البنى التحتية، مع فرض حالة حصار وتجويع ومحاولة تهجير غير مسبوقة لسكان القطاع. وبالرغم من أن حماس وقوى المقاومة (مؤيدة بأغلبية فلسطينية كبيرة) رأت في طوفان الأقصى واجباً مهماً لوقف العدوان على الأقصى وتهويده، ومنع إنفاذ خطة الحسم الإسرائيلية في الضفة، ولإطلاق سراح الأسرى، وعملاً استباقياً ضرورياً لمواجهة الترتيبات الإسرائيلية لضرب المقاومة في غزة؛ غير أن سلطة رام الله رأت في ذلك عملاً انفرادياً وتجاوزاً لسلطتها وتوريطاً للشعب الفلسطيني وتدمير ما بقي من مقدراته، مع عدم وجود الجاهزية المناسبة للتعامل مع استحقاقاته.
مع تشكيل الحكومة الإسرائيلية الأكثر تطرفاً في تاريخ الكيان الإسرائيلي في أواخر سنة 2022، بقيادة نتنياهو وشراكة سموتريتش وبن جفير…، تبنت الحكومة سياسة أشد تطرفاً تهدف إلى حسم مصير المسجد الأقصى والقدس والضفة الغربية، وسحق المقاومة في غزة، وإنهاء حلّ الدولتين ومسار التسوية وفق اتفاق أوسلو، وتفكيك السلطة الفلسطينية إلى كانتونات وروابط قرى، وتبني سياسات الضم والتهجير في الضفة والقطاع، وإغلاق الملف الفلسطيني. وبالتالي، قامت بعمل مزيد من الإجراءات الخانقة لسلطة رام الله، ومحاولة تطويعها بشكل أكبر لتكون مجرد أداة وظيفية مرحلية في خدمة الأهداف الإسرائيلية.
اكتسبت قضية فلسطين مزيداً من الدعم الدولي في أثناء معركة طوفان الأقصى، وتصدرت قائمة الاهتمامات العالمية، وسقطت السردية الإسرائيلية، بينما ارتفعت السردية الفلسطينية، وصار الكيان الإسرائيلي كياناً منبوذاً عالمياً، وارتفع الدعم العالمي لحل الدولتين ودعمت العديد من الدول الأوروبية الاعتراف بدولة فلسطين لأول مرة. وهذا، أعطى الآمال للسلطة الفلسطينية بإمكانية استرجاع أُفُق تحولها فعلياً إلى دولة على الأرض.
ثانياً: السيناريوهات المحتملة:
يمكن الإشارة هنا إلى مجموعة من السيناريوهات المحتملة فيما يتعلق بمستقبل النظام السياسي الفلسطيني بعد طوفان الأقصى بما يلي:
المراوحة وبقاء الوضع الراهن، بمعنى انتهاء الحرب على غزة دون تغيير في معادلة من يحكم غزة في اليوم التالي للحرب.
عودة الأمور إلى ما قبل انتخابات 2006، وعودة إدارة غزة إلى السلطة الفلسطينية ليعود نظاماً برأس واحد تحكمه سلطة رام الله (عملياً حركة فتح)، ولا وجود لحماس في مؤسسات الحكم.
تفكيك الاحتلال الإسرائيلي للنظام السياسي الفلسطيني عبر إعادة الاحتلال الكامل لقطاع غزة والضفة الغربية وتطبيق سياسات الضم والتهجير، أو إلحاق غزة بمصر والضفة بالأردن.
إصلاح النظام السياسي للسلطة الفلسطينية، بحيث يضمن مشاركة الجميع وفق قواعد العمل السياسي الصحيحة والنظم الديموقراطية.
إقامة نظام سياسي جديد في الشكل والأدوات مدعوماً بشكل مباشر أو غير مباشر من العرب وأمريكا و”إسرائيل”.
ثالثاً: المحددات الحاكمة للسيناريوهات المحتملة:
يرجح أن تلعب مجموعة من المحددات دوراً مهماً في تعزيز أو إضعاف فرص السيناريوهات المحتملة على المديين المنظور والبعيد، ولعلّ أهم هذه المحددات ما يلي:
قدرة حماس على التكيّف مع الوضع الراهن، وضمان استمرارها في المشهد السياسي الفلسطيني.
إمكانية رضوخ حماس لسياسة الأمر الواقع والضغوطات الإقليمية ومراعاة الوضع الإنساني الصعب في القطاع، والموافقة على الخروج من قيادة المشهد السياسي ومغادرة مربع الحكم في غزة.
مدى تدخل المجتمع الدولي لإنهاء حرب الإبادة والتجويع، ورفض سياسة التهجير.
إمكانية نجاح ضغط المعارضة والبيئة الشعبية في “إسرائيل” في إيقاف الحرب على غزة، وإبرام صفقة شاملة دون أي اشتراطات فيما يتعلق باليوم التالي للحرب.
مدى نجاح الضغط الأمريكي على الدول العربية وخصوصاً مصر والأردن للقبول بهجرة الفلسطينيين إليها، أو القبول بفكرة إلحاق غزة بمصر والضفة بالأردن وفرض الإدارة عليها.
نجاح أو فشل المباحثات بين حماس والولايات المتحدة الأمريكية بشأن وقف الحرب، وصفقة الأسرى.
مدى مقدرة الحكومة الإسرائيلية الحالية على تحقيق إنجازات على الأرض فيما يتعلق بضم الضفة الغربية.
سقوط نظام الأسد في سورية، وما تبعه من استحقاقات وتوجّهات للنظام الجديد.
خروج حزب الله من المشاركة الفعلية في معركة طوفان الأقصى، بعد توقيع حزب الله اتفاق التهدئة مع الاحتلال.
احتمالات حلّ السلطة الفلسطينية وإنشاء إدارة جديدة بنظام جديد في الضفة الغربية وقطاع غزة.
موقف الحاضنة الشعبية في غزة تجاه حماس والمقاومة، في ضوء المجازر والتدمير، وتأثير الجوع والإبادة والتهديد بالهجرة.
رابعاً: الترجيح بين السيناريوهات:
فيما يتعلق بالسيناريو الأول: “المراوحة وبقاء الوضع الراهن، بمعنى انتهاء الحرب على غزة دون تغيير في معادلة من يحكم غزة في اليوم التالي للحرب”. يبدو هذا الأمر بعيد المنال خصوصاً في ظلّ التوجهات الدولية والعربية بتغييب حماس عن مشهد الحكم أو المشاركة السياسية بشكل عام نظراً لما تمثّله الحركة من خطر على “إسرائيل”، وهو ما بدا واضحاً قبل وفي أثناء وبعد طوفان الأقصى.
لكن! وعلى الرغم من بقاء هذا السيناريو بعيد المنال، فإن الحاجة لقوة تمنع الفوضى وتضمن بقاء قطاع غزة محيداً عن الاشتباك مع “إسرائيل”، وهو ما قد يعيد حماس إلى الواجهة من جديد لأنها قادرة على فعل ذلك لو تحققت الظروف الموضوعية اللازمة مثل: فتح كافة المعابر ورفع الحصار عن غزة، وضمان عدم التعرض للشخصيات السياسية، وهو في الوقت نفسه يعطي الذريعة للاحتلال بعدم وجود شريك فلسطيني لـ”السلام”، خصوصاً إذا ما استمر الانقسام الفلسطيني الفلسطيني.
فيما يتعلق بالسيناريو الثاني: “عودة الأمور إلى ما قبل انتخابات 2006، وعودة إدارة غزة إلى السلطة الفلسطينية، ليعود نظاماً برأس واحد تحكمه فتح، ولا وجود لحماس في مؤسسات الحكم”. يبدو هذا السيناريو قريباً من المطلب الإسرائيلي الذي يريد إقصاء حماس وإبعادها عن إدارة الحكم في غزة، مع ضمان وجود قوة أخرى تدير غزة، وفقاً للرغبات الإسرائيلية التي تبحث عن أمنها واستقرارها، سواء كانت هذه الجهة الاحتلال نفسه أم جهة عربية أو فلسطينية تحقق الرغبة الإسرائيلية وتنال الرضا والقبول.
ما يدفع باتجاه اعتماد هذا السيناريو هو الضغوط القوية التي تتعرض لها حماس شعبياً وعربياً ودولياً، خصوصاً في ظلّ ضعف إمكانات المقاومة بعد أكثر من 19 شهراً من الحرب، وكذلك ضعف السيطرة الميدانية للحكومة في غزة في ظلّ استهداف الاحتلال لأي مكون سياسي أو إداري أو أمني لها، وهو يتوافق موضوعياً مع رغبة الحركة في كثير من المواقف، قبل الطوفان، في التخلي عن إدارة الحكم في غزة شريطة عدم إقصائها، وحلّ مشكلة موظفي حكومتها، ورغبة الحركة في العمل مع كافة التنظيمات والفصائل من أجل إصلاح النظام السياسي الفلسطيني؛ المنظمة والسلطة بكافة مؤسساتهما ومكوناتهما.
أما ما يدفع إلى عرقلة مثل هذا السيناريو هو اشتراط حماس حتى كتابة هذا التقدير عدم إقصائها، وأنّ اليوم التالي للحرب هو شأن فلسطيني خالص تقوم به حماس والفصائل الفلسطينية بما يحقق المصلحة العامة للشعب الفلسطيني، ولا يمكن القبول بفرض واقع جديد أو إملاء من الخارج.
فيما يخص السيناريو الثالث: “تفكيك الاحتلال الإسرائيلي للسلطة الفلسطينية عبر إعادة الاحتلال الكامل لقطاع غزة والضفة الغربية وتطبيق سياسات الضم والتهجير، أو إلحاق غزة بمصر والضفة بالأردن”. وهو السيناريو الأكثر تطرفاً، فتزداد فرص هذا السيناريو كلما زادت “إسرائيل” من ضغوطها على قطاع غزة بالنار أو تشديد الحصار وزيادة وتيرة التجويع والتهديد بالتهجير، وكذلك باستمرار حركة حماس في رفض التخلي عن الحكم وتفكيك جهازها العسكري وتسليم السلاح، ما يجعل الحل العسكري هو الحل المتاح، وهو ما قد يتطور إلى إعادة احتلال قطاع غزة بشكل كامل، والتفكير في استكمال احتلال الضفة خصوصاً في ظلّ التطورات الحادثة في الضفة والضغط العسكري الإسرائيلي فيها، مع التذكير دائماً بأن أحد أهم أهداف الحكومة الإسرائيلية المتطرفة الحالية كان “حسم الصراع” مع الفلسطينيين في إشارة إلى احتلال الضفة وطرد السكان منها.
هناك عدة أمور تمنع حدوث مثل هذا السيناريو؛ منها ما هو متعلق بالشعب الفلسطيني، ويتمثل في الصمود والثبات على الأرض على الرغم من كلّ التضحيات وعدم القبول بالهجرة إلى أي مكان، ومنها ما يتعلق بمصر والأردن واستمرار ثباتهما على رفض فكرة استقبال الفلسطينيين مهاجرين إليهما أو رفض إعادة الإدارة المدنية إلى الضفة وغزة عبرهما كما كان في الفترة من 1948-1967، وهناك جانب آخر متمثل في نجاح جهود تطبيق حلّ الدولتين وإعلان دولة فلسطينية مستقلة في مناطق السلطة.
الضغط العسكري وسياسة التجويع التي تنتهجها “إسرائيل” في هذه الفترة في غزة عامل مساعد في زيادة الضغط على المواطنين الفلسطينيين، كما يلجأ الاحتلال الإسرائيلي إلى تعمُّد إثارة الفوضى، وضرب التضامن الداخلي والبنى الاجتماعية الفلسطينية، من خلال منع الأجهزة المدنية من العمل وقصف طواقمها المعنية بتوزيع المساعدات الشحيحة التي تأتي للقطاع؛ ودعم تشكيل عصابات مسلحة لنهب المساعدات ومواجهة المقاومة، بالتعاون مع الجيش الإسرائيلي. وعلى الرغم من استمرار الرهان على صمود الشعب في أرضه لكن ومع تنامي أصوات المطالبين بالهجرة إذا استمرت الحرب فإن الظروف قد تدفع بالعديد من الفلسطينيين للهجرة بحثاً عن الأمن أولاً وعن حياة كريمة لا خوف فيها ولا تجويع ثانياً، خصوصاً في ظلّ غياب خطة واضحة لإعادة إعمار قطاع غزة على المدى المنظور، وهو ما قد يسهّل عملية تفكيك النظام السياسي تحقيقاً لهذا السيناريو. وما يدفع بهذا السيناريو أيضاً هو بقاء الوضع في الضفة على ما هو عليه؛ ضعف المقاومة الشعبية والعسكرية نسبياً ضدّ الاحتلال، واستكانة السلطة وعدم تحركها بأي شكل من الأشكال لمساعدة أو إنقاذ غزة، هذا، إلى جانب تعاونها الأمني مع الاحتلال ضدّ المقاومة.
وأما فيما يتعلق بالسيناريو الرابع: “إصلاح النظام السياسي للسلطة الفلسطينية بحيث يضمن مشاركة الجميع”. فيمكن القول هنا أنّ هذا هو المطلب الأهم منذ الانتخابات التشريعية 2006، والذي بقي عصياً على التنفيذ حتى اللحظة، على الرغم من كلّ المحاولات التي حدثت من أجل اختراق المواقف الفلسطينية المتباينة بالخصوص.
ما يدفع باتجاه تنفيذ هذا السيناريو هو شعور كافة الأطراف بخطر تفكيك النظام السياسي للسلطة وما يهدد الشعب الفلسطيني من أخطار الهجرة أو تنفيذ خطة الضم الإسرائيلية، إضافة إلى شعور الفصائل الفلسطينية بالخطر على كينونتها ومكانتها معاً، ما قد يدفعها إلى التنازل والرضا بما كان مرفوضاً من قبل من أجل المحافظة على المنجزات الوطنية ولو في حدها الأدنى.
الأمر الآخر الذي قد يدفع باتجاه هذا السيناريو المحتمل هو مدى نجاح الجهود العربية والدولية في تحقيق حلّ الدولتين، خصوصاً في ظلّ اشتراط بعض الدول العربية تحقيق هذا الأمر مقابل التطبيع مع “إسرائيل”، وهو ما يعني بالضرورة إصلاح النظام السياسي الفلسطيني وتوحيد كافة الجهود الفلسطينية من أجل استحقاق الدولة الفلسطينية المنتظرة.
فيما يخص السيناريو الخامس: “نظام سياسي جديد في الشكل والأدوات مدعوماً من العرب وأمريكا و”إسرائيل”. ينطلق هذا السيناريو من فرضية قدرة الاحتلال على سحق أو إسكات المقاومة الفلسطينية، وحلّ السلطة الفلسطينية وسيطرة الاحتلال على كافة مناطقها من جديد، وبالتالي يبدأ العمل على إيجاد القيادة البديلة، مثل روابط القرى أو عوائل وقبائل وشخصيات، وهو الهدف الذي كان مطمعاً للاحتلال على مدار سنوات طويلة قبل إنشاء السلطة الفلسطينية.
ما قد يدفع نحو تحقيق هذا السيناريو هو تمكن “إسرائيل” من إعادة احتلال قطاع غزة على وجه التحديد، وكذلك ضمّ الضفة الغربية بحسب مخططاتها، وسحق أو إسكات المقاومة في غزة.
وأما صمود المقاومة وبقاؤها من جهة، ونجاح جهود تنفيذ حلّ الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة من جهة أخرى، فإنه يلغي مثل هذا الاحتمال.
تبقى الأمور معلقة، وتبقى الخيارات منفتحة على تطبيق كافة السيناريوهات المحتملة، لكن هناك أمراً أساسياً يظل راسخاً مع كل حراك أو بروز أفكار بخصوص القضية الفلسطينية، ولم يتغير على مدار عمر القضية الفلسطينية، ألا وهو إرادة الشعب الفلسطيني وعزيمته وتضحياته، التي كانت وما زالت صمّام أمان لآماله وأمانيه، وجبلاً راسخاً يقف أمام كل محاولات تغييب حقوقه، والنيل من أحلامه وآماله وطموحاته في التحرر وبناء الدولة المستقلة.
خامساً: التوصيات:
التأكيد على أنّ مستقبل قطاع غزة والضفة الغربية هو شأن فلسطيني داخلي، تُراعى فيه المصالح العليا للشعب الفلسطيني وثوابته واختياره.
ضرورة توحيد الموقف الفلسطيني في وجه الهجمة الشرسة للاحتلال خلال الطوفان، والتي يهدف من خلالها إلى إنهاء القضية الفلسطينية، واقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه بالقوة.
تشكيل جبهة وطنية فلسطينية موحّدة تقود عمليتَي الحرب والتهدئة وفق قواعد المشاركة السياسية وعدم الإقصاء.
ضرورة تعزيز ثقافة المشاركة والمواطنة في أوساط الحركات والهيئات الفلسطينية بما يرقى للوقوف في وجه محاولات الاحتلال في التقسيم والشرذمة.
ضرورة عدم تجريم المقاومة الفلسطينية المسلحة أو اتهامها بأي شكل من الأشكال، فتبقى المقاومة عملاً وطنياً مشروعاً في كل وقت، وهي حقّ أصيل حافظ عليه الشعب على مدار تاريخه.
استمرار الجهود لوقف الحرب على غزة، وجرائم الإبادة والتهجير والتدمير، وتجريم الكيان الإسرائيلي عالمياً ومعاقبته وعزله، وإجباره على الانسحاب.
[*] أعدّ مسودة هذا التقدير وائل عبد الحميد المبحوح وربيع أمين أبو حطب، وهما باحثان سياسيان من غزة، مختصّان في الشأن الفلسطيني.
للاطلاع على التقدير الاستراتيجي بصيغة بي دي أف، اضغط على الرابط التالي: >> التقدير الاستراتيجي (141): مستقبل السلطة الفلسطينية في ضوء معركة طوفان الأقصى (14 صفحة، 1.1 MB) |