أزمة تجنيد الحريديم: كيف أدت أحداث الأقصى إلى تعقيد المشهد السياسي في إسرائيل؟

أزمة تجنيد الحريديم: كيف أدت أحداث الأقصى إلى تعقيد المشهد السياسي في إسرائيل؟

القدس المحتلة – المركز الفلسطيني للإعلام

رغم فشل التصويت على قرار حل الكنيست الإسرائيلي فجر اليوم الخميس، إلا أنه لا تزال تبعات معركة طوفان الأقصى تتمدد باتجاهات متعددة وتزيد من أزمة كيان الاحتلال الإسرائيلي، التي تحاول تفادي الدخول نفق سياسي مظلم في ظل أزمات سياسية وقانونية واجتماعية واقتصادية ودبلوماسية، يعاني منها الكيان بسبب حرب الإبادة التي يشنها على قطاع غزة.

وقد أدى طول فترة الحرب، وصمود المقاومة أمام جيش الاحتلال، وتكبيده خسائر فادحة في الآليات والأرواح، إلى حدوث أزمة تجنيد داخل صفوف الجيش، بعد النقصان الحاد الذي يعاني منه، بسبب كثرة الإصابات بين الضباط والجنود، والاضطرابات النفسية التي يعاني منها آخرون، ما أدى إلى عزوف الآلاف عن الاستجابة لأوامر التجنيد، ورفض العودة للقتال، الأمر الذي دفع الكثيرين من نخبة كيان الاحتلال إلى الدعوة لترميم ذلك النقصان بتجنيد اليهود المتشددين (الحريديم).

الحريديم وأزمة التجنيد

ويشكل الحريديم نحو 13 بالمائة من مستوطني الاحتلال البالغ عددهم 10 ملايين نسمة، ويرفضون الخدمة العسكرية بدعوى تكريس حياتهم لدراسة التوراة، مؤكدين أن الاندماج في المجتمع العلماني يشكل تهديدًا لهويتهم الدينية واستمرارية مجتمعهم.

وعقب قرار المحكمة الإسرائيلية العليا (أعلى سلطة قضائية) في 25 يونيو/ حزيران 2024، إلزام الحريديم بالتجنيد ومنع تقديم مساعدات مالية للمؤسسات الدينية التي يرفض طلابها الخدمة العسكرية، بدأوا في تنفيذ فعاليات احتجاجاية وصلت إلى مواجهات مع شرطة الاحتلال واعتقال العديد منهم.

تجنيد سياسي

وتتهم المعارضة رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو بالسعي لإقرار قانون يعفي “الحريديم” من التجنيد، استجابة لمطالب حزبي “شاس” و”يهدوت هتوراه” المشاركين في الائتلاف الحكومي، بهدف الحفاظ على استقرار حكومته ومنع انهيارها.

وقد قرر زعماء أحزاب المعارضة الإسرائيلية طرح قانون لحل الكنيست أمس الأربعاء للتصويت عليه، وفق بيان أصدروه بهذا الشأن، وذلك مع تصاعد التوتر مع الائتلاف اليميني الحاكم، فيما أكدت القناة 13 الإسرائيلية أن أحزاب المعارضة اتفقت على تقديم مشروع القانون للتصويت عليه بالقراءة التمهيدية.

وكانت أحزاب إسرائيلية معارضة من بينها “هناك مستقبل” برئاسة يائير لبيد، و”إسرائيل بيتنا” بقيادة وزير الدفاع الأسبق أفيغدور ليبرمان، أعلنت الأربعاء الماضي عزمها التقدم بمشروع قانون حل الكنيست.

حل الكنيست

وفي الرابع من يونيو/حزيران الجاري قدم حزب “يش عتيد” الإسرائيلي المعارض طلبا للتصويت على حل الكنيست في 11 من الشهر نفسه. كما اعتبر زعيم حزب الديمقراطيين الإسرائيلي يائير غولان الاثنين الماضي أن الحرب الحالية فقدت مبرراتها، وتحوّلت إلى حرب سياسية تهدف إلى بقاء حكومة بنيامين نتنياهو المطلوب للمحكمة الجنائية الدولية.

وأكد غولان، في تصريحات أدلى بها لوسائل الإعلام، أن إسقاط الحكومة هو السبيل الوحيد للخلاص، مشيرا إلى أن ذلك يجب أن يتم في أقرب وقت ممكن.

بدوره، قال زعيم حزب إسرائيل بيتنا أفيغدور ليبرمان إن رئيس الوزراء يفضل الاعتبارات السياسية والائتلافية على الاعتبارات الأمنية.

اليمينيون غاضبون

وقد علق وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش على مشروع القانون بالقول إن “جر إسرائيل إلى انتخابات الآن يعتبر عدم مسؤولية وطنية”، داعيًا إلى عدم إسقاط حكومة اليمين، وقال إن إجراء انتخابات خلال الحرب خطر على مستقبل إسرائيل.

وقال سموتريتش: “التاريخ لن يغفر لمن سيجر دولة إسرائيل إلى انتخابات خلال الحرب وهذا سيؤدي إلى خسارتنا الحرب”، مضيفًا أن إسرائيل لا يمكنها الاستمرار في الحرب إلى الأبد، وأن هناك ضغوطًا دولية وداخلية تتعلق بجنود الاحتياط والاقتصاد.

فشل التصويت

وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية إن أحزاب المعارضة في إسرائيل “فشلت في تشريع قانون حلّ الكنيست الذي طرحته أمام الهيئة العامة للتصويت عليه فجر الخميس”.

وذكرت أن 61 عضو كنيست صوّتوا ضد مشروع القانون، فيما صوّت 53 تأييداً له. وجاء ذلك في أعقاب إعلان عدد من أحزاب الحريديم المتشددين رفض تأييد القانون، بعد توصلهم إلى تفاهمات مع رئيس لجنة الخارجية والأمن في الكنيست يولي أدليشطاين بشأن قانون التجنيد.

وحسب الصحيفة، صوّت عدد من أعضاء الكنيست من الحريديم فقط لصالح القانون، وذلك في أعقاب إعلانهم رفض التفاهمات التي جرى التوصل إليها مع أدليشطاين.

وشهد الكنيست جلسة متوترة قبل بدء التصويت على القانون، وقال زعيم أحزاب المعارضة يائير لابيد إن حكومة نتنياهو من خلال تصريحاتها عن تجنيد الحريديم في الجيش ومساعدتهم على التهرب من الخدمة العسكرية، قد بصقت في وجه الجنود وضحّت بهم.

“بداية سقوط الائتلاف الحاكم”

وأضاف لابيد أن الائتلاف الإسرائيلي الحاكم سوف يبدأ بالسقوط اعتباراً من هذه الليلة سواء جرى تشريع قانون حل الكنيست من عدمه.

من جانبه، قال بيني غانتس عضو مجلس الحرب السابق في كلمة “إن الجيش بحاجة إلى المقاتلين، وإن نتنياهو يحاول إقناع الحريديم بأن إسرائيل تعيش في ظرف أمني خطير” من أجل منعهم من إسقاط الحكومة وحل الكنيست بدلاً من إقناعهم بالانضمام إلى الجيش.

يشار إلى أن مشروع القانون طرح في ظل أزمة ائتلافية متزايدة في إسرائيل على خلفية ما يعرف بـ”قانون تجنيد الحريديم”، وبخاصة الخلافات بين أحزاب الحريديم ورئيس لجنة الخارجية والأمن بالكنيست الذي يسعى إلى تشريع قانون لفرض عقوبات فورية على المتهربين من الخدمة العسكرية.

وكانت صحيفة يديعوت أحرونوت أشارت إلى أن الجيش الإسرائيلي يعاني نقصاً حاداً في أعداد الجنود، وهو نقص يقدر بنحو 10 آلاف جندي.

وكانت آخر انتخابات برلمانية جرت نهاية عام 2022، مما يعني أن موعد الانتخابات المقبلة هو نهاية 2026، ما لم تجرَ انتخابات مبكرة.

ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ترتكب إسرائيل بدعم أميركي إبادة جماعية في غزة، تشمل قتلا وتجويعا وتدميرا وتهجيرا، متجاهلة النداءات الدولية وأوامر لمحكمة العدل الدولية بوقفها.