رأي شخصي… إمبراطورية النفط

رأي شخصي… إمبراطورية النفط

في قصة الكاتب الكبير إحسان عبد القدوس “إمبراطورية ميم”، والتي أخرجها للسينما الفنان الكبير حسين كمال عام 1972، طلبت سيدة الشاشة العربية، وكانت تجسد دور وكيلة وزارة التربية والتعليم، من سائق سيارتها الحكومية أن يتوجه إلى مدرسة غير تلك التي كان مقررًا زيارتها، والتي أفردت استعدادات وترتيبات ضخمة لاستقبالها. بينما كانت حال المدرسة الأخرى يُرثى لها من التسيب والإهمال.

تذكرت هذا المشهد عندما قام السيد الوزير بزيارة لشركة خالدة للبترول بالأمس في مقرها بالقاهرة. وتخيلت، لو أن الوزير طلب من سائقه في منتصف الطريق أن يتجه به إلى بتروبل أو بتروزنيمة أو بتروسيلة أو أي شركة أخرى دون ترتيب أو تنسيق مسبق، لوقف بنفسه على الحقيقة المجردة، دون تورية أو تجهيزات شكلية.

كان الوزير سيعرف عن مكافآت تُصرف لأصحاب الحظوة تحت مسمى “حقل” كان إنتاجه في السابق علامة، وأصبح الآن كارثة، وما زالت المكافآت تُصرف كما هي! سيرى شركات متوقفة عن النشاط دون سبب واضح، وقياداتها تغط في نوم عميق، ويرى شركات شبه خالية من الموظفين في أوقات العمل الرسمية. سيسمع من العاملين على أرض الواقع ما يدور في الخفاء، وما يتم التكتم عليه، والتنكيل بكل من يتجرأ ويرسل أنينه لأي وسيلة إعلامية.

سيرى شركات تفتقد الانضباط وتعاني من حوادث سرقة مشينة، وتُدار بأسلوب “عائلي”!
ولا شك أن توجيه جهود الوزير نحو الداخل هو أمر طال انتظاره، ومرحب به جدًا، ونُشيد به ونُثمنه؛ لأنه الأسلوب الصحيح والأمثل للوقوف على مشاكل القطاع المزمنة، وعلى حالات القصور والفوضى في العديد من الشركات، خاصة الشركات الصغرى.

التحول الدراماتيكي في أسلوب العمل حاليًا، والاتجاه إلى الشأن الداخلي والمتابعة عن قرب، هو أقصر وأنفع الوسائل للتدخل السريع واتخاذ الإجراءات التصحيحية التي طالما انتظرها العاملون.

نتذكر المهندس سامح فهمي، الوزير الأسبق، حين كان يزور الشركات في الثامنة صباحًا دون إنذار مسبق، ليرى بنفسه كيف يسير العمل في تلك الساعة المبكرة. وكانت له مواقف ساخرة مع بعض رؤساء الشركات – رحمهم الله – نتيجة نزول خبر الزيارة المفاجئة كالصاعقة عليهم.
تكرار مثل هذه التجارب سيجعل الشركات في حالة استنفار دائم لاحتمال زيارة الوزير في أي وقت.

وقد أبدع الكاتب الكبير أحمد رجب في وصف هذه الحالة في قصته الشهيرة: “الوزير جاي!”.

نحن لا ندعو إلى مهزلة بطبيعة الحال، ولكن المهزلة الحقيقية هي أن يتحمل الوزير عبء تحقيق الانضباط في الشركات ومتابعة سير عملها، رغم أن هذا واجب أصيل على السيد رئيس الهيئة، وعلى رؤساء الشركات القابضة، ونوابهم المعنيين في الرقابة والاستكشاف والإنتاج تحديدًا.

لا نرى أي حساسية إطلاقًا أن يتوجه نائب الإنتاج أو الاستكشاف بسيارته صباحًا إلى شركة ما دون ترتيب مسبق، ليتفقد أحوالها، ويجتمع بشبابها وقياداتها، ويعرف أوضاع العمل ومعوقاته، ويسمع منهم ما لا يستطيعون إيصاله لقيادة شركتهم. وهذا دور حساس وفاعل، ويوثّق العلاقات، ويُعلي ميزان العدل، ويضمن شفافية القرارات في أعلى مراتبها.

إنه نوع من التواصل والمراقبة له ميزة كبرى في إعادة الحرارة إلى مفاصل العمل الفني والإداري في مقرات الشركات الرئيسية، ويؤصل لمبدأ المتابعة الإيجابية التي تدفع للأمام، وتحاسب كل مقصر في حينه ومباشرة.

لم يعد هناك من سبيل إلا الانضباط والجدية في التعامل مع الأمور، بعد أن أصبحت الظروف الإقليمية والدولية غاية في الصعوبة والشراسة. وأنتم جميعًا تتابعون ما يقوم به رئيس الحكومة شخصيًا، وعلى مدار الساعة، من متابعة لشؤون الطاقة في البلاد، والاطمئنان على الاحتياطي الاستراتيجي للمواد البترولية، وإعلان حالة الطوارئ في مرافق إنتاج الكهرباء وإمدادات الغاز، لما لها من تأثير مباشر على الأمن القومي للبلاد.

لن ينفعنا في هذه الأيام العصيبة إلا ثروتنا، وجهدنا، وعملنا، في إطار من الانضباط والجدية، والتخلي التام عن سياسة اللامبالاة.
أتمنى أن تصل الرسالة.والسلام،،

#سقراط