واقع الشهادات الصادرة عن شركة التعاون للبترول (تقرير)

واقع الشهادات الصادرة عن شركة التعاون للبترول (تقرير)

لا يزال حادث احتراق شاحنة البنزين واستشهاد قائدها، الذي ضحى بحياته لإنقاذ المنطقة من كارثة محققة، يلقي بظلاله الثقيلة على الأجواء العامة، خاصة بعد موجة التعاطف الشعبي والرسمي التي تبعت الحادث. فقد تلقت أسرة الشهيد اتصالاً من حرم رئيس الجمهورية، إضافة إلى زيارة وزير البترول، وتواصل عدد من كبار رجال الأعمال معهم، وعلى رأسهم المهندس نجيب ساويرس.

لكن اللافت حتى الآن هو غياب التقرير الفني الذي يوضح الأسباب الحقيقية للحادث، ولماذا اندلعت النيران في صهريج الشاحنة بهذا الشكل المفاجئ؟ هذا الغياب يفتح الباب واسعًا لإعادة النظر في إجراءات السلامة المرتبطة بنشاط نقل المواد البترولية، وهو أحد الأنشطة الحيوية التي لا تحتمل التهاون أو الإهمال.

وفي هذا السياق، جاءت زيارة الجيولوجي علاء البطل، الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للبترول، إلى مخازن الشحن والتفريغ بشركة التعاون للبترول، على خلفية تلك الأحداث المؤلمة ذات الانعكاسات الإنسانية والمادية الخطيرة. فالدولة لا تحتمل تكرار حرائق شاحنات البنزين، ولا استمرار سقوط الضحايا من العاملين في هذا المجال الحيوي.

وإذا كانت شركة التعاون للبترول هي الجهة المسؤولة عن إصدار شهادات صلاحية الصهاريج، فإنه من الضروري أن تتم متابعة عملية إصدار تلك الشهادات بدقة، وضمان ألا تكون شكلية، كما ورد من بعض المصادر. إن جباية الرسوم لا يمكن أن تكون الهدف الأساسي أو الأوحد للشركة، بل ينبغي أن تتحرى بكل دقة عن مدى صلاحية تلك الشاحنات من الجوانب الفنية والأمنية كافة.

كما يجب أن تكون هذه الشاحنات حاصلة على شهادات صلاحية من الجهات المختصة، وعلى رأسها أجهزة الحماية المدنية، التي تُعنى بالتصريح بنقل المواد الخطرة. ويجب كذلك تفعيل مقررات مجلس السلامة الوطني، لضمان أن يكون إصدار التصاريح والشهادات مبنيًا على أعلى درجات الدقة والشفافية.

إن ملف شاحنات نقل المحروقات يحتاج إلى فتح عاجل وشامل، بكل تفاصيله، بعد أن بات غير مقبول الاستمرار في استخدام شاحنات متهالكة، يعلوها الصدأ وتفتقر لأبسط معايير الأمان، في وقتٍ تتجه فيه الدول من حولنا إلى استخدام أسطول نقل حديث ومجهز بأحدث تقنيات السلامة العالمية.

قطاع النقل يتطور بوتيرة متسارعة عالميًا، وعلينا أن نلحق بهذا الركب على الأقل في الحد الأدنى من المعايير. ولعل من المهم في هذا الإطار فتح الباب أمام الاستثمار الوطني في مجال النقل البترولي، وفق ضوابط وشروط تضمن تحديث أسطول الشحن، واستبدال الشاحنات القديمة بأخرى حديثة.

كما يجب التأكيد على أن من يقود هذه الشاحنات ينبغي أن يكون من الشباب المؤهل، المتعلم، والمدرّب على أعلى معايير السلامة المهنية، والمزود بكل وسائل الحماية الحديثة. لم يعد مقبولًا أن نرى مشاهد مأساوية مثل “عم خالد” وهو يصرخ “طفّوني… طفّوني!” وسط ألسنة اللهب.

إنه ملف بالغ الأهمية، ويستحق من وزارة البترول أن توليه اهتمامًا خاصًا بالدراسة والمتابعة، لعل نتائج هذه الدراسات تفتح آفاقًا جديدة، وتوفر فرص عمل حقيقية لآلاف الشباب، وتؤسس لمرحلة أكثر أمانًا وكفاءة في هذا القطاع الحيوي.

#المستقبل_البترولي