اللامبالاة في عصر التفاعل: سيد سالم

قال الفيلسوف اليوناني سقراط ذات يوم: «تكلّم حتى أراك».
هذه العبارة البسيطة تحمل في طيّاتها معنى عميقًا يتجاوز حدود اللغة؛ فهي دعوة إلى إثبات الذات من خلال الكلمة، والحضور من خلال الرأي والموقف.
في زماننا هذا، حيث تتوالى الأحداث وتتزاحم القضايا أمام أعين الجميع، لم تعد المشاركة رفاهية أو خياراً جانبياً، بل صارت معيارًا لوجود الفرد في الفضاء العام. فمَن يرى حدثاً جللاً أو مسألة شائكة عُرضت على العلن، ثم يظل صامتاً — لا يعبّر عن موقف، ولا يوضح رأيًا، ولا حتى يبيّن استهجانه أو قبوله — يُعد في حكم الغائب، وإن بدا حاضراً.
فما قيمة الرؤية إن لم يتّبعها رأى ؟ فمَن لا يتفاعل مثله كمثل الذى يقف على الرصيف يشاهد المارة وما يجرى أمامه، لكنّه لا يعيرهم أي اهتمام؛ إذ هو غارق في نغمات أغنية تَصدح من خلال سماعتين قد وضعهما فوق أذنيه.
وربما آخر يرى لكنه تائه في حساب همومه اليومية، منشغلٌ بكيفية تأمين لقمة العيش لأبنائه. أو ثالث ينظر بعينيه إلى ما يجري أمامه من أحداث لكن قلبه غافل عنها — فإنها لاتعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التى فى الصدور.
هؤلاء جميعاً — رغم اختلاف الأسباب — يشتركون في حالة واحدة: الرؤية بلا رأي.
وهذه — لنعترف — صورة من صور اللامبالاة، والانسحاب من الفضاء العام.
ومن اتّصف بذلك، جزئياً أو كلياً، فكأنّه لم يتكلم، وبالتالى مجازا لم يره سقراط، فالكلمة موقف، والتفاعل حياة.
كاتب المقال: مهندس سيد سالم رئيس شركة خالده للبترول الأسبق