استكشاف جديد لجزر البحر الأحمر: سياحة بيئية تحافظ على الحياة البحرية

استكشاف جديد لجزر البحر الأحمر: سياحة بيئية تحافظ على الحياة البحرية

تستقبل شواطئ الجزر البحرية فى محافظة البحر الأحمر- يوميًا- آلاف الزائرين من جنسيات مختلفة؛ إذ إنها ليست مجرد مواقع طبيعية؛ بل كنوز وطنية ذات قيمة استراتيجية وسياحية واقتصادية يتم استغلالها من خلال استثمار سياحى بيئى يحترم الحياة البحرية.

فى عرض مياه البحر الأحمر الفيروزية، وعلى بعد أميال من شواطئ القرى السياحية بالغردقة المزدحمة بالزائرين تتناثر جزر صغيرة، هادئة، صامتة فى ظاهرها، لكنها تعج بالحياة على شواطئها وأعماقها جزر لا يراها كثيرون إلا من خلال عدسات مصورى الطبيعة أو نوافذ مراكب الغوص، وهذه الجزر تُعد كنوزًا بيئية وسياحية نادرة، تقف اليوم على أبواب تحول سياحى وبيئى كبير، إذ بدأ المشهد يتغير على شواطئ عدد من الجزر بإقامة مشروعات سياحية بضوابط بيئية مشددة، لتتحول هذه الجزر مستقبلًا لمشروعات سياحية دون التضحية بثرواتها الطبيعية.

وقال أيمن طاهر، الخبير البيئى، إن ساحل البحر الأحمر يطل على أكثر من ٣٩ جزيرة مصرية داخل نطاق المحافظة، ما بين جزر محيطية نادرة مثل «الأخوين والزبرجد»، وجزر شاطئية قريبة من اليابسة؛ تقام عليها مشروعات سياحية مثل «الجفتون، وتوبيا، ومجاويش»، بعضها أُعلن كمحميات طبيعية منذ التسعينيات، والآخر ظل دون استغلال سياحى، رغم ما يتمتع به من مقومات بيئية وسياحية قد لا تتكرر فى أى مكان آخر.

وأوضح أشرف صالح، عضو غرفة الغوص والأنشطة البحرية بالغردقة، أن من أوائل الجزر المستغلة سياحيا شواطئ جزيرة الجفتون الكبرى على سبيل المثال، وتمثل قصة نجاح كبيرة؛ إذ إنها أول جزيرة بحرية مصرية يُسمح فيها بممارسة أنشطة سياحية بيئية وفقًا لضوابط مشددة، ويقام عليها عدد من المشروعات البيئية السياحية، كمناطق زيارة واستقبال للسائحين من خلال اللنشات السياحية وقضاء يوم كامل على شواطئها.

وأشار محمد شمروخ، الخبير السياحى بالغردقة، إلى أن السياحة البيئية والبحرية تعد النشاط السياحى الأول لزائرى المحافظة، ومن الجزر البحرية التى أُدرجت مؤخرًا فى قائمة الجزر المتاحة للاستثمار البيئى المحدود، تبرز جزيرة توبيا البيضاء بسفاجا، التى تُعد من أكثر جزر البحر الأحمر نقاءً وجاذبية لعشاق الغوص وتقع قبالة سواحل سفاجا وتحيط بها شعاب مرجانية بألوان نادرة وتجمعات سمكية غنية، ويقصدها الغواصون من مختلف الجنسيات لرؤية أسماك نابليون، وأسماك المهرج، والسلاحف البحرية وتتمتع بشواطئ رملية ناعمة.

سياح يستمتعون بالسباحة والألعاب المائية فى جزر البحر الأحمر


سياح يستمتعون بالسباحة والألعاب المائية فى جزر البحر الأحمر


سياح يستمتعون بالسباحة والألعاب المائية فى جزر البحر الأحمر


سياح يستمتعون بالسباحة والألعاب المائية فى جزر البحر الأحمر

وأضاف «شمروخ»، أن «توبيا» تمثل كتابًا مفتوحًا للتنوع البيولوجى تحت الماء، فمجرد سباحة قصيرة فى محيطها تكشف ثراء الحياة الذى لا يُرى فى أى موقع آخر بالبحر الأحمر، ما جعلها نموذجًا مثاليًا للسياحة البيئية المنضبطة مع الخدمة الفندقية المميزة، منوهًا بأن شواطئها أصبحت نقطة جذب هامة للسياحة البيئية؛ إذ تقدم تجربة فريدة من نوعها من خلال السباحة، والغطس، وجولات استكشافية للشعاب المرجانية، وحفلات شواء، وأجواء من الهدوء بعيدًا عن صخب الحياة، بالإضافة إلى الضيافة فى مطاعم مقامة بشكل بيئى تقدم أشهى المأكولات والمشروبات الشرقية والغربية.

وتابع «شمروخ»: «شواطئ الجزيرة باتت وجهة مفضلة للسياح من أوروبا وروسيا والخليج، لما توفره من تنوع بيئى ونموذجًا نادرًا للسياحة البيئية المستدامة والشعاب المرجانية التى تحيط بها تُعد من الأجمل فى البحر الأحمر، إلى جانب أنها تضم كائنات بحرية نادرة، مثل السلاحف والأسماك الملونة، ما جعلها واحدة من أفضل مواقع الغوص والتصوير تحت الماء فى مصر».

وأكد أحمد سالم، منظم رحلات بحرية، أنه فى ظل تزايد الطلب العالمى على الوجهات البيئية، تبرز جزيرة توبيا كأيقونة للنجاح فى الدمج بين الاستثمار السياحى وحماية الطبيعة، إذ تعمل الشركات المنظمة على تطوير خدماتها باستمرار، بما يتماشى مع متطلبات السياحة المستدامة، ما يضمن للزائرين تجربة آمنة وممتعة، ويُبقى على الجزيرة ككنز طبيعى حى وواحدة من الجواهر الخفية فى البحر الأحمر، ومصدر إلهام لمحبى الطبيعة، وعشاق المغامرة.

وقال حسام رضوان، مدير مشروع حق استغلال شاطئ جزيرة مجاويش الكبرى، إن الجزيرة تحتضن تنوعًا فريدًا من الشعاب المرجانية الضحلة، والطحالب البحرية، والطيور الساحلية النادرة، مثل النورس أبيض الذيل والبلشون الرمادى، وتم مؤخرًا السماح بإدراجها ضمن الجزر التى يُمكن إقامة مشروعات بيئية محدودة فيها، بشرط الحفاظ التام على النظام البيئى البحرى، وعدم إدخال أية تعديلات على شكل الجزيرة الطبيعى، لافتًا إلى أن «مجاويش» تعد مختبرًا طبيعيًا لمراقبة تكيف الشعاب المرجانية مع تغير المناخ، وفتحها للسياحة البيئية المنضبطة ساهم فى دعم البحث العلمى وتثقيف الزوار.

وأضاف أن «توبيا البيضاء» تضم مستعمرات طيور نادرة وشعابًا مرجانية حيوية، بينما تظهر فى محيط «مجاويش» تجمعات ضخمة لأسماك الهامور والدلافين الموسمية، وتعد «أبو رمادا» منطقة مفضلة لتكاثر السلاحف البحرية، إذ أن هذا التنوع هو ما يجعل البحر الأحمر واحدة من أهم المواقع البيئية على خريطة العالم.

وأوضح الدكتور أشرف صديق، الاستشارى المتخصص فى الدراسات البيئية للمشروعات السياحية بمعهد علوم البحار، أن أجهزة الدولة أدركت مؤخرًا أهمية هذه الجزر البحرية، ليس فقط كمحميات طبيعية؛ بل كفرص استثمار سياحى بيئى راقٍ، وبناءً على دراسات بيئية معمقة، أعلنت وزارة البيئة بالتعاون مع محافظة البحر الأحمر، بدء السماح بإقامة مشروعات سياحية بيئية على ٩ جزر فقط، تشمل «مكورات، غانم، الجيسوم الشمالية، طويلة، أم الحيمات الشمالية والجنوبية، مجاويش الكبرى، الجفتون الكبرى، وتوبيا البيضاء».

وتابع: «وزارة البيئة وضعت شروط للاستثمار والاستقلال السياحى، بحيث لا تتجاوز مساحة النشاط المسموح به ٦ آلاف متر مربع لكل جزيرة ويُسمح بإنشاء ٣ مناطق فقط بمساحة ٢٠٠٠ متر لكل مشروع ويُحظر تجاوز نسبة الإشغال عن ٤٠٪ من المساحة وممنوع البناء على بعد أقل من ٧٥ مترًا من خط المد الأعلى وجميع المنشآت يجب أن تكون من خامات طبيعية بيئية مثل الخشب، وجذوع النخيل، والجريد، ولا يسمح بأى تلوث أو تصريف بحرى أو تدمير للشعاب المرجانية أو موائل الحياة البحرية، غير أن جميع المشروعات تخضع للإشراف ومتابعة من إدارة محميات البحر الأحمر».