في قلب الفيوم: “وكالة المغاربة” بين عبق التاريخ وزحام الحاضر

فى قلب مدينة الفيوم، يقبع معلم تاريخى لا يزال صامدًا فى وجه الزمن: «وكالة المغاربة»، والتى يطلق عليها أهالى البندر اسم «شارع القصبة» أو «القنطرة»، بينما يسميها أبناء الريف «الشارع المعرش» فى إشارة إلى سقفها الخشبى الذى يظلل طرقاتها الضيقة.
يقول الدكتور نبيل حنظل، الخبير السياحى بالفيوم، إن «وكالة المغاربة» لعبت دورًا محوريًا منذ العصر الفاطمى وحتى بدايات القرن العشرين، إذ كانت ملتقى للقبائل المغربية التى استوطنت الفيوم أو عبرت بها، خاصة خلال فترات المقاومة الليبية ضد الاحتلال الإيطالى بقيادة شيخ المجاهدين عمر المختار لم تكن الوكالة مجرد ممر عابر، بل وجهة رئيسية للزائرين بجوار معالم الفيوم الشهيرة مثل مسجد على الروبى، وجامع قايتباى، والمسجد المعلق، وقنطرة اللاهون.
وأشار حنظل إلى أن الوكالة، المطلة على بحر يوسف بجوار كوبرى الشيخ سالم، كانت جزءًا من نسيج معمارى إسلامى مميز تتناغم فيه الطرز والزخارف مع المساجد التاريخية المحيطة مثل مسجد العسيلى، حيث تتلمذ يوسف وهبى فى كتابه، والمسجد الواقدى صاحب كتاب «المصباح المنير»، ومسجد النافع، فضلًا عن قربها من مسجد الصوفى لأكثر من مئات السنين، كانت «وكالة المغاربة» قلب التجارة النابض لبدو وعرب الفيوم؛ توفر لهم كل ما يحتاجونه، من تجهيز منازلهم وحتى إعداد جهاز العروس بالكامل. كان التجار يملأون السوق بالبضائع التى كان يفوح منها عبق النعناع البلدى وزهور الفيوم.
وكالة المغاربة فى الفيوم
وكالة المغاربة فى الفيوم
«وكالة المغاربة بالفيوم».. ذاكرة «السوق المعرش» التى تغلب عليها الزمن
وقال الدكتور أمجد عيسوى الأستاذ بكلية الآثار إن الوكالة قد اشتهرت بمتاجر تخصصية: من العطور واللبان لدى «الماوردي»، إلى الجلابيب العربية لدى «الفخراني»، والمنتجات النحاسية عند «طرفاية»، والسجاد والأحْرِمة المغربية عند «حمزة»، والعطارة عند «الجوهرى»، والجزارة عند «العيسوي» و«البحيري» ولم تغب الحرف التقليدية، فكان هناك صناع الخيزران ومصنعى صناديق العروس وسروج الخيل، فى مشهد ينبض بالحياة والأصالة مشيرًا إلى أن فكرة إنشاء «الوكالات» ترجع إلى العصور المملوكية والعثمانية، حيث كانت تضم طوابق سكنية فوق أسواق تجارية ومخازن للبضائع واسطبلات للدواب، وتسمى أحيانًا بالخانات أو الفنادق أو الرباطات وقد اكتسبت «وكالة المغاربة» أسماء متعددة مع الزمن؛ فبعضهم سماها «سوق القنطرة» نسبة لقربها من قنطرة بحر يوسف، وآخرون أطلقوا عليها «السوق المعرش» بسبب سقفها الخشبى المميز، فيما ظل اسم «وكالة المغاربة» شاهدًا على نشاطها المتخصص فى بيع السلع
المغربية التقليدية.
وأوضح عيسوى أنه لم يتبقَّ من مجد الوكالة القديم إلا القليل فقد طغت عليها متغيرات العصر، وتحولت محلاتها إلى «بوتيكات» لبيع الملابس والأحذية والمنتجات المصنوعة من الألومنيوم، وفقدت بذلك خصوصيتها كسوق بدوى أصيل ولا يزال السقف الخشبى قائمًا، كما بقيت بعض المحلات تحتفظ بروح المكان رغم تبدل البضائع. أما بوابة الوكالة، التى كانت مشيدة بالحجر الأبيض المطعم بالأحمر، فقد اندثر معظمُها، ولم يعد منها سوى بقايا تروى قصصًا عن زمن كانت فيه «وكالة المغاربة» درة أسواق الفيوم.