«القبة»: تحول من مركز إدارة هيئة قناة السويس إلى متحف وطني

«القبة»: تحول من مركز إدارة هيئة قناة السويس إلى متحف وطني

فى مثل هذا الشهر وبالتحديد فى يونيو 1975، أعاد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، افتتاح قناة السويس بعد تطوير مبنى الإرشاد والتحركات المسؤول عن التحكم فى حركة السفن الملاحية بهيئة قناة السويس البحرية، وذلك بعد انتصار 6 أكتوبر 1973، وانتهاء فترة الحرب.

وبالتزامن مع مرور 50 عامًا على إعادة افتتاح قناة السويس، وإعلان اللواء أركان حرب محب حبشى محافظ بورسعيد تصديق الرئيس عبد الفتاح السيسى على قرار تحويل مبنى القبة الأثرى التابع لهيئة قناة السويس، إلى متحف قومى نُلقى الضوء على نشأة وأهمية هذا المبنى التاريخى.

موقعه الجغرافى العالمى:

«مبنى قبة هيئة قناة السويس» ببورسعيد وهو المبنى المستخدم من جانب هيئة قناة السويس بمدينة بورسعيد بمصر لمتابعة حركة السفن المارة فى قناة السويس، بناه الخديوى عباس حلمى الثانى عام 1895، يقع مباشرة على ضفة القناة، ويُعتبر أول مبنى يحتل هذا الموقع المميز.

يُعد مبنى هيئة قناة السويس أحد العلامات المميزة لمدينة بورسعيد، ويُعتبر تحفة معمارية رائعة الجمال يُعد بحق أول الأشياء التى تتبادر للذهن عادة عند ذكر اسم بورسعيد.

«نشأته التاريخية»:

تولت عملية بنائه شركة إدموند كونييه الفرنسية للمقاولات، تم بناء المبنى مباشرة على قناة السويس على هيئة قصر على الطراز الإسلامى، وهو ما يتضح فى القباب الثلاث الخضراء التى تعلو المبنى أو من حيث الزخارف الداخلية للأسقف والحوائط وكذلك الشبابيك والنجف الذى يزين المبنى من الداخل.

حاول المعمارى أن يستغل بعض مفردات وعناصر العمارة الإسلامية المشرقية التى جاءت على المبنى واضحة وصريحة كالقباب يكسوها بلاطات القاشانى، تشير إلى مدخل القناة والبائكة ذات العقود المخموسة التى تدور بواجهات المبنى للوصول إلى الطابع الشرقى المميز الذى أضفى على المبنى طابعًا من الفخامة والجمال.

ذكر المهندس محمد إبراهيم مدير آثار بورسعيد، أن اختيار ميناء بورسعيد ليكون المقر الإدارى والرئيسى للشركة كان مرجعه وقوع الميناء على المدخل الشمالى للقناة، إضافة إلى تطوير الميناء بشكل سريع حتى غدا الممر الرئيسى لتجارة العالم العابرة بين الشرق والغرب وملتقى الأجناس البشرية من مشارق الأرض ومغاربها، فضلًا عن إعادة قناة السويس البحر الأحمر كمجرى رئيسى للتجارة الدولية العابرة.

أضاف أنه بناءً عليه جاء موقع البناء من أهم، وأبرز عناصر التكوين حيث راعت الشركة حسن الاختيار والمواءمة التامة لطبيعة عمله وتصميمه كأكبر منشأة إدارية لها فى مدن القناة وبها المقر الرئيسى الأعلى للشركة العالمية بمصر.

مبنى قناة السويس «القبة» أيقونة معمارية

يخضع المبنى الإدارى لشركة قناة السويس «القبة» حاليًا لأعمال ترميم معمارية وإعادة تأهيل، ويُعتبر من أبرز العلامات العمرانية التراثية المميزة لمدينة بورسعيد، بوابة قناة السويس الشمالية كما يُعد أول الأشياء التى تتبادر للذهن عند ذكر القناة واسم بورسعيد، يحمل كل تاريخ العابرين إلى هذه البقعة الساحرة من مصريين وفرنسيين ويونانيين وإنجليز وإيطاليين، وكل أجناس البحر المتوسط.

يروى المهندس والمؤرخ البورسعيدى محمد بيوض قصة هذا المبنى العريق، بقوله إنه يعود إلى عام 1895، فى عهد الخديوى عباس حلمى الثانى، وكان فى البداية مبنى خشبيًّا لخدمة حركة الملاحة وسُمى حينها بـ«مبنى التحركات». ولاحقًا، طورت الشركة العالمية لقناة السويس المبنى، فأنشأته على الطراز الإسلامى المميز بثلاث قباب خضراء، واحدة رئيسية ضخمة فى المنتصف، واثنتان أصغر حجمًا على الجانبين.

أضاف «بيوض»: «احتوى المبنى على برج المراقبة الذى أُسندت إليه مهام متابعة دخول السفن وخروجها من ميناء بورسعيد حتى يتم تسليمها إلى منطقة رأس العش. كما كان مركزًا لإدارة المياه والمخازن والكراكات، ومقرًا رئيسيًا لإدارة هيئة قناة السويس فى عهد الفرنسيين، ما يجعله من أبرز المعالم المرتبطة بتاريخ الملاحة فى القناة».

زيارات عالمية وذكريات وطنية خالدة

أكد المهندس محمد بيوض أن المبنى حظى باهتمام بالغ من قادة العالم الذين زاروا بورسعيد، أبرزهم الزعيم سعد زغلول، المهاتما غاندى، والرئيس السوفيتى خروتشوف، إلى جانب رؤساء مصر من جمال عبد الناصر إلى أنور السادات وحتى حسنى مبارك. كما تم استخدام المبنى كموقع رسمى خلال إعادة افتتاح قناة السويس فى يوليو 1975 بدعوة من الرئيس السادات لشاه إيران، فى احتفالية وطنية ضخمة عاشها أبناء بورسعيد، وكان المؤرخ أحد شهودها.


تحويل المبنى إلى متحف قومى: حلم شعبى يتحقق

يشير «بيوض» إلى أن نقل إدارة التحركات إلى مبنى جديد بشرق بورسعيد جعل من الضرورى استغلال مبنى القبة بطريقة تليق بتاريخه، فجاء القرار بتحويله إلى متحف قومى يروى قصة قناة السويس ومدينة بورسعيد. يتميز المبنى بإمكانية رسو السفن السياحية أمامه، ما يعزز من فرصه كمزار سياحى عالمى قادر على استقطاب الزوار والسياح من مختلف الجنسيات.

وأكد بيوض أن قرار الرئيس السيسى جاء استجابة لمطلب شعبى ملح، مدعوم بجهود الأهالى والمهتمين بالتراث الذين عارضوا أى محاولة لاستغلال المبنى فى أنشطة تجارية مثل الفنادق أو قاعات الأفراح. وأشاد بهذا القرار الذى يحافظ على الهوية التاريخية للمدينة، ويعزز من مكانتها السياحية والثقافية.

تحفة معمارية على الطراز الإسلامى المميز

من الناحية المعمارية، يُعد مبنى هيئة قناة السويس ببورسعيد أحد أبرز المعالم الإسلامية الفريدة، حيث تم تشييده بواسطة شركة إدموند كونييه الفرنسية مباشرة على ضفة قناة السويس. تميز المبنى بقبابه المزينة بالبلاطات القاشانى، ونوافذه ذات الطراز الشرقى، والنجف الفاخر الذى يزين قاعاته، إضافة إلى العقود المخموسة التى تميز الواجهات الخارجية.

اختيار موقع المقر الرئيسى للشركة العالمية بقناة السويس بمدينة بورسعيد لم يكن عبثًا، بل جاء انطلاقًا من كونها المدخل الشمالى للقناة، وملتقى للتجارة العالمية بين الشرق والغرب. المبنى كان القلب النابض لإدارة واحدة من أهم المجارى الملاحية فى العالم.

مغالطات تاريخية

أوضح المؤرخ البورسعيدى محمد بيوض، إن ما تم تداوله حول تعرض المبنى للتدمير بالكامل هو غير صحيح، موضحًا أنه كان يوجد مبنى بجوار مبنى القبة يسمى بـ«الماڤى هاوس» يشبهه ولكن بدون وجود القباب الـ3، وهذا المبنى تاريخى يحمل عبق التاريخ وتم رفع العلم المصرى عليه عام 1956، مع مبنى الماڤى هاوس عندما جاء الرئيس الراحل جمال عبد الناصر عند انسحاب آخر جندى بريطانى فى 18 يونيو 1956، بعد 72 سنة من الاحتلال، خرج من قاعة الماڤى هاوس والرئيس عبد الناصر رفع عليه العلم المصرى.

وأشار إلى أن مبنى «الماڤى هاوس» كان بجوار مبنى القبة ويشبهه لكن بدون أى قباب، كان مبنيًا على نفس التصميم وكانت تملكه شركة هولندية، أقامت به متحفًا فى فترة ما، وفى الحرب العالمية الأولى تم بيعه لبريطانيا، التى اتخذته كقاعدة بحرية عسكرية لها، لاستراتيجية المبنى على مدخل قناة السويس، وبجانب مبنى القبة، وجاء الرئيس عبد الناصر رفع العلم المصرى على مبنى الماڤى هاوس ثم زار مبنى قبة قناة السويس، وكان الرد من العدوان الثلاثى على مصر لرفع العلم المصرى على المبنى، قامت بريطانيا بنسف المبنى ودمرته، وتبقى مبنى القبة الذى كان بجواره حتى الآن دون أن يصيبه أى تدمير أو تخريب.

مبنى القبة


إدموند كونييه

وتابع أنه إلى أن جاءت حرب 1973 وكان العدوان الإسرائيلى يقصف بورسعيد بالطيران، وكانت تتعرض المحافظة لغارات قوية جدًا وعنيفة من الطيران الإسرائيلى، تم إصابة المبنى والقبة نفسها بقذيفة ولكن الحمد لله لم يتأثر المبنى أو يتصدع، فكان مجرد ثقب كبير بجانب القبة، وبعد الانتصار فى حرب 1973 تم ترميم المبنى وإعادة افتتاحه فى عهد الرئيس السادات 1975.

ذكريات المقاومة والعدوان

يحتفظ مبنى القبة بسجل طويل من الأحداث الوطنية، أبرزها رفع العلم المصرى عليه يوم 18 يونيو 1956 عقب انسحاب آخر جندى بريطانى من بورسعيد، فى مشهد خالده التاريخ، حيث رافق الرئيس جمال عبد الناصر ذلك الحدث التاريخى.

أما فى حرب 1973، فقد أُصيب المبنى بقذيفة إسرائيلية دون أن يتأثر هيكله الأساسى، ما دفع إلى ترميمه لاحقًا وإعادة افتتاحه فى 1975 فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات.

فى عام 1974، وخلال تطهير قناة السويس، استخدمته القوات الأمريكية وقوات الأمم المتحدة للوصول إلى كاسحات الألغام، قبل أن تُعاد القناة للعمل الكامل بعد انتهاء الحرب.

«مقترح سياحى ثقافى»

وأشار المؤرخ البورسعيدى إلى أن الأبناء والأحفاد عند زيارتهم لهذا المتحف سيرون عظمة تاريخ بلدهم، وسيرون فى تصميمه الكثير من نقوش وتجاويف وأبواب وشبابيك، وعرضه وطرازه يُعتبر قصرًا إسلاميًا منيفًا، وموقعه استراتيجى، وأظن أنه لن يقتصر على أن يكون متحفًا فقط، فمن الممكن أن يتم من خلاله تنظيم جولات بحرية داخل مياه القناة كما كانت من قبل، منذ سنوات كان يوجد المطعم العائم يقوم بجولات سياحية فى قناة السويس، لتعمل على زيادة الشغف والوطنية لدى المواطنين، من خلال شرح كيفية حفر قناة السويس، ومرور السفن والتحكم بها من خلال الهيئة فى تلك الجولات.

ونوّه إلى أهمية ألا يقتصر أن يكون مبنى «القبة» والمتحف القومى به عبارة عن مبنى يتم زيارته فقط، بل لابد من معرفة كيف كان يتحكم هذا المبنى فى السفن والسيطرة عليها، لا سيما وأنه كان له دور هام جدًا فى تأميم قناة السويس من خلال تواجد الفرقة التابعة للتأميم، وكان التحكم من هذا المبنى حيث استطاعوا السيطرة على قناة السويس أولًا من خلال هذا المبنى، ثم تتابع بعدها السيطرة فى محافظتى الإسماعيلية والسويس.

«تحرك نواب بورسعيد»

قال النائب حسن عمار عضو مجلس النواب، أمين سر اللجنة الاقتصادية بالمجلس، إنه خلال الفترة الماضية كثرت التساؤلات عن انتشار شائعات حول بيع مبنى القبة الأثرى إلى فندق وبيعه إلى أحد المستثمرين، ولذلك توجهت الكتلة البرلمانية بالكامل للقاء الفريق أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس، للعرض والتأكد من هذه المعلومات، وبالفعل كان أحد المستثمرين قد تقدم للهيئة للتعاقد على استئجار القبة لإقامة فندق ومرسى لليخوت وقاعة أفراح، ومبنى سياحى أيضًا.

وأشار «عمار» إلى أنه: «نحن كنواب كنا راصدين الرأى العام والوضع الحالى والمهتمين بالتاريخ والحفاظ على مبنى القبة كرمز تاريخى لبورسعيد ولمصر كلها، خاصة قناة السويس التى دفع أهل بورسعيد ومدن القناة الثمن كثيرًا للحفاظ عليها».

وأضاف عمار: «تحدثنا مع الفريق أسامة ربيع، كهيئة برلمانية ودعمنا اللواء محب حبشى محافظ بورسعيد، بعد ما اتكلمنا معاه وتم إرسال مخاطبات عديدة إلى مجلس النواب وإلى رئيس الجمهورية، وخلال زيارة الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء فى زيارة لمحافظة بورسعيد، تم التحدث معه فى هذه القضية وتم إثارتها معه من نواب المحافظة».

وأكد عضو مجلس النواب أن هذا الرمز التاريخى لا يمكن تحويله إلى فندق، بل ويجب الحفاظ عليه بتحويله إلى متحف قومى، يسرد تاريخ محافظة بورسعيد ونضالها وبسالة رجالها، وبالفعل الحمد لله تم صدور قرار جمهورى والذى أوجه بسببه كامل التحية والتقدير إلى الرئيس الوطنى الرئيس عبد الفتاح السيسى، بإقامة متحف وعدم تحويله إلى فندق والحفاظ عليه كأثر هام تاريخى لمحافظة بورسعيد.

ولفت إلى أن هذا القرار أراح الكثير والكثير من الرأى العام بالشارع البورسعيدى، ولذلك أوجه الشكر لكل أعضاء الهيئة البرلمانية من نواب بورسعيد، والدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء، واللواء أركان حرب محب حبشى محافظ بورسعيد.