والدة ضحية حادث شبرا: “أطلقوا عليه النار من مسافة قريبة لأنه حاول فض مشاجرة” (فيديو)

والدة ضحية حادث شبرا: “أطلقوا عليه النار من مسافة قريبة لأنه حاول فض مشاجرة” (فيديو)

«بندقية ضربه من مسافة صفر»، تقول شقيقة «إسلام» بصوت يتهدج بين الغضب والذهول، كان أخوها قد نزل من البيت في شبرا الخيمة بالقليوبية، فجرًا فقط ليحلق شعره، فوجد مشاجرة بالأسلحة النارية على ناصية الشارع، لم يكن طرفًا فيها، لكنه وقف بين الفريقين، يحاول تهدئة الموقف: «قالهم خلاص يا جماعة كفاية»، كما تروى أخته، لم يُكمل جملته حتى عاجله أحد المتشاجرين، المعروف في المنطقة بلقب «أسامة بندقية»، برصاصتين اخترقتا بطنه وأسفل جسده، وعلى إثرهما لفظ أنفاسه الأخيرة.

لم يحمل «إسلام» سلاحًا، لم يركض، فقط مدّ ذراعيه محاولًا الفصل بين المتشاجرين، لكنه أصبح وحده الهدف، تركوه ينزف في منتصف الطريق، والناس «كانت خايفة تشيله»، على حد قول شقيقته، إذ وحده طفل صغير حمله إلى المستشفى، وهناك، قال الأطباء لوالدته: «البقاء لله».

الشاب العشرينى كان في إجازة قصيرة من عمله كفنى لحام في العين السخنة، عاد إلى بيته قبل أيام، ليقضى إجازته مع أسرته، ويبدأ تجهيزات خطوبته، لكنه لم ينجُ من «الشارع اللى دايمًا فيه مشاكل»، كما تصفه الأم، ولم تنجُ العائلة من الصدمة التي تمزقها منذ ذلك اليوم.

كان «إسلام» الشقيق الأوسط، «اللى دايمًا ساكت وطيب»، كما تصفه والدته، لا يحب الخصام، ولا يرفع صوته، وكان يكره العنف بكل أشكاله، اعتاد أن يعود من العين السخنة ليلًا، بعد يوم عمل شاق، فقط ليطمئن على والدته، ويجلس قليلًا مع أشقائه: «كان بيقولى: أنا تعبت من السفر، بس نفسى أقعد وسطكم شوية»، تقول والدته، ثم تتوقف فجأة، كأن الكلمات ثقيلة أكثر من قدرتها على الاحتمال.

قبل الحادث بيوم واحد، تحدث معها عن فتاة يحبها، وقال إنه ينوى التقدم لخطبتها قريبًا: «قالى أنا هشوف شغل تانى أحسن، وعايز أشترى دهب».. لم يكن يعلم أن أحلامه ستتوقف فجأة عند أول درج في سُلّم الحلاق.

الحلاق نفسه لم يصدق ما جرى، «بيقولنا: أخوكم نزل درجة واحدة من السلم، ولسه بيقول صباح الخير، خد طلقتين من بندقية خرطوش»، تروى شقيقته، وكأن الزمن توقف عند تلك اللحظة.

«إسلام ماكنش طرف في الخناقة»، تهمس شقيقته وهى تشير إلى صورة معلقة له على الحائط. «كان بيقول للناس: (خلاص يا جماعة.. كفاية ضرب)، وفجأة سمعنا من شهود إن اللى اسمه بندقية قال له: (أنت الراجل اللى فيهم؟!)، وبعدها بشوية كان طالع عليه بالبندقية وضربه من المسافة صفر».

أسامة، المعروف بـ«بندقية»، لم يكن وحده في المشاجرة: «كان معاه عيال، وضربوا واحد تانى بمطواة في رقبته، وأخويا لما شاف المنظر جرى يفصل بينهم، ومش مدرك إنه داخل على غدر»، تتابع الشقيقة وهى تشير إلى صورة شقيقها المُعلّقة على جدار الصالة.

الدماء سالت في الشارع، أمام أنظار الجميع، «الناس وقفت تتفرج، ومحدش ساعده»، تقول الأم، وهى تمسك بيد حفيدتها الصغيرة التي كانت تبكى خالها الضحية: «واحد عيل هو اللى شاله ووداه المستشفى»، هناك، طلب إسلام «بُق ميه»، كما تقول والدته، وكأنه يعرف أنها آخر رشفة له في الدنيا.

«كان بيبص لى وبيقول لى: خدى بالك من نفسك، وقولى لأبويا يسامحنى»، تضيف والدته، ثم تغالب دموعها، إذ كانت تعرف في تلك اللحظة أن ابنها لن يخرج حيًا من غرفة الطوارئ.

رغم ملاحقة الشرطة للمتهم، ورغم تبادل إطلاق النار الذي أدى إلى إصابته وضبطه، إلا أن الألم لايزال يقيم في كل ركن من أركان البيت، «إحنا بنقوم من النوم ندور على إسلام»، تقول والدته، وتضيف: «هو لسه مالى البيت، ولسه ريحته في أوضته».

والدة وشقيقة ضحية جريمة شبرا الخيمة تكشفا تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياته- تصوير: محمد القماش

كانت العائلة تحاول إقناعه بالابتعاد عن المنطقة، «كنا بنقوله ابعد، دى منطقة مشاكل، بس هو كان بيحبنا ومش عايز يبعد عننا»، تقول شقيقته، وكان يرد عليهم دائمًا: «أنا مش بخاف من حد، بس أنا زهقت من اللى بشوفه هنا».

والده، رجل ستينى، لم يتحدث كثيرًا، جلس على طرف السرير، ينظر في الفراغ، حين سُئل عن ابنه، قال فقط: «كان سندى».

لا تزال الأسرة تنتظر القصاص القانونى، لكنهم يعرفون أن العدالة وحدها لا تُعيد الغائب، «إحنا عايزين حقه، بس كمان مش قادرين نعيش من غيره»، تقول الأم، وهى تنظر إلى صورة ابنها مرة أخرى، ثم تهمس: «كان لسه بيقولى أنا هقعد معاكم كتير المرة دى.. وراح».

أمام البيت، تقف الأم كل صباح عند عتبة الباب، كأنها تنتظر عودة لم تحدث. «كل ما الباب يخبط، قلبى بيتنفض»، تقول وهى تحتضن صورة لابنها: «ابنى نزل من على السلم، خطوة واحدة، وخد الطلقة في بطنه».

الذكريات لا تزال حاضرة، كرسيه على مائدة الطعام، عطره في الوسادة، قميصه المُعلّق خلف الباب. «كان نفسه ينقلنا في مكان تانى، بعيد عن المشاكل»، تقول الأم: «بس هو اللى راح، والمكان لسه هنا».

أسرة المجني عليه تطالب بالقصاص بعد إطلاق النار من مسافة صفر

في الشارع الذي كان مسرحًا للجريمة، لا تزال آثار الدماء عند طرف الرصيف باهتة، لكن الوجع في القلوب لم يبهت بعد. الجيران يتحدثون همسًا، يتحاشون ذكر اسم القاتل بصوت مرتفع. «الكل كان عارف إن اليوم ده هييجى»، تقول جارة للعائلة، ثم تضيف: «بس مفيش حد كان بيقدر يتكلم، (اللى بيكلمه بيأذيه)».

بعضهم يقول إن «بندقية» كان يتجول بالسلاح جهارًا، وأن الخوف أصبح جزءًا من الحياة اليومية في تلك المنطقة.. «لو شوفت مشكلة في الشارع، تبص الناحية التانية وتمشى»، يقول شاب عشرينى: «إسلام عمل العكس، وده كان تمنه».

توصلت تحقيقات النيابة العامة إلى أن المتهم «أسامة»، وشهرته «بندقية»، قد أطلق عيارين ناريين من سلاح خرطوش على المجنى عليه «إسلام»، حال تدخله لفض مشاجرة نشبت بين المتهم وآخرين، وذلك من مسافة قريبة، فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الطب الشرعى، والتى أودت بحياته على الفور، قاصدًا من ذلك قتله.

قررت النيابة حبس المتهم ونسبت له ارتكابه لجريمة أنه «حاز وأحرز سلاحًا ناريًا غير مرخص».