خبير: التوترات بين إيران وإسرائيل تؤثر على أمن الطاقة والملاحة في البحر الأحمر

قال عبداللطيف دنيا، الخبير السياسي، إن مصر تمتلك موقعًا استراتيجيًا فريدًا يجعلها لاعبًا رئيسيًا في المشهد الإقليمي والدولي، مما حتم عليها دفع ضريبة هذا الموقع بأن تنال كثيرًا من التأثير في ظل الصراعات والتوترات التي تحيط بهذا الموقع، ولا يحد من وطأة هذا التأثير إلا العناية الإلهية ونهج سياسي منضبط يرعى المصالح الداخلية حالًا ومستقبلًا، غير غافل عن مصالحه القومية والإقليمية، موضحًا أن الأزمة الإيرانية–الإسرائيلية تؤثر على مصر في محاور أساسية، وهي: أمن الطاقة، وأمن الملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس، وما لتلك التأثيرات من تبعات على الاقتصاد واحتياطي النقد الأجنبي.
وأضاف «دنيا »، في مداخلة لـ «راديو مصر»، أن أمن الطاقة في مصر يعني مدى الاستقرار في توفير الطاقة بشكل مستمر يفي بالاحتياج، وبأسعار مناسبة لدعم النمو الاقتصادي والحياة اليومية للمواطنين، ولا يمكن توفير أي مما سبق في ظل الإعتماد على مصادر خارجية أو طرق نقل غير مستقرة أو معرضة للمخاطر الجيوسياسية، وتوقف بعض الحقول المهددة في الأزمات يتسبب في بعض العجز المحلي في الكهرباء، وقد ينشأ عنه عودة بعض الانقطاعات في الكهرباء، أو تضرر بعض المصانع الاستراتيجية بخروج بعض خطوط الإنتاج من التشغيل، مما يكون له بالغ الأثر على أسعار تلك المنتجات، ولذلك أصبح من الضروري تنويع مصادر الغاز المستورد عبر البحر، وليس فقط عبر الأنابيب التي دومًا ما تتأثر بالاضطرابات الأمنية والصراعات. ولقد أصبحت الحاجة ملحة لامتلاك وحدات «FSRU».
وأوضح أن الـ «FSRU»، هي «وحدة عائمة لتخزين الغاز المسال وتحويله إلى غاز طبيعي»، وغياب وحدة «FSRU» مصرية جعل البلاد غير قادرة على استيراد الغاز المسال فورًا وقت الحاجة، مما يزيد من أثر الأزمات والتوترات الأمنية الواقعة خارج حدود مصر؛ لذلك فإن شراء وحدة «FSRU» وطنية بدلًا من تأجيرها، واستخدامها موسميًا وقت الذروة، هو ضرورة أمن قومي، لأنها توفر مرونة كاملة وتُغني عن الاعتماد الكلي على خطوط الأنابيب أو الدول المجاورة، فضلاً عن أنها ستوفر مصدر دخل في فترات الاستقرار عند تأجيرها، مؤكدًا أن مؤهلة لإدارة FSRU؛ لأن لديها خبرات فنية من تشغيل وحدتين سابقًا في السويس، إلى جانب تواجد موانئ جاهزة مثل العين السخنة ودمياط، وكذلك البنية التحتية الجيدة لربط الغاز بالشبكة القومية.
وأشار إلى أنه أصبح من الضروري البدء في دراسة الخزانات القديمة الناضبة لإستخدامها في تخزين الغاز والنفط في أوقات الإستقرار وعند نزول الأسعار وإعادة استخدامها في فترات الأزمات ومن الضروري أيضا توسيع عمليات الاستكشاف والبحث داخل الدلتا والمياه الإقليمية لتعزيز الإنتاج المحلي، وكذلك تطوير الحقول القديمة وتحديث بنيتها، وتشجيع المستثمر الوطني على الدخول في تلك الصناعة، معقبا: لقد فرض أمن البحر الأحمر نفسه على طاولة صانع القرار المصري، خاصة بعد الأضرار التي لحقت بالاقتصاد المصري بعد هجمات الحوثيين الماضية، والتي نتوقع تكرارها في حال تنصلهم من اتفاقهم المبرم في عمان، والذي تعهدوا فيه بعدم التعرض لحركة الملاحة في البحر الأحمر، وفي حالة تكرار الهجمات لتخفيف وطأة الضربات الإسرائيلية على إيران، فإنه سيترتب عليها تراجع مرور السفن في قناة السويس بنسبة تصل من 20% إلى 35% في السيناريو المتفائل، مما يتبعه انخفاض في العوائد بنفس الوتيرة، وبالتالي ضغط إضافي على ميزان المدفوعات المصري والاحتياطي النقدي، ولذلك أقترح تعزيز التواجد البحري المصري في البحر الأحمر لحماية الملاحة، وكذلك التعاون الإقليمي مع السعودية والدول ذات المصالح المشتركة لضمان أمن الممرات.
ولفت إلى أن العناية الإلهية، ومن بعدها السياسة الحكومية المنضبطة خلال الفترة الماضية، واتباعها لتعليمات القيادة السياسية، خففت من حدة انعكاس التأثيرات علينا، ورغم ذلك نتوقع في حال وجود تراجع في إيرادات قناة السويس أن يكون له الأثر السيء على الاقتصاد، إذا صاحبه زيادة في فاتورة استيراد الطاقة مع ارتفاع الأسعار العالمية، مما يتبعه ضغط على الجنيه المصري واحتياطي البنك المركزي، موضحًا أن التطور والزيادة المضطردة في تحويلات المصريين بالخارج خلال الفترة الماضية ستخفف من وطأة تأثير تلك الأزمة، ويدفعنا ذلك إلى ضرورة إطلاق حزمة من الحوافز غير التقليدية للمصريين العاملين بالخارج، وأن تدار العلاقة معهم باستراتيجية الحوافز لا باستراتيجية التمنيات، وهذا التوتر الإقليمي سيضغط على مصر للعب دور الوسيط في محاولة للتأكيد على الريادة من جهة، ومن الجهة الأخرى للحد من خطر توسع الحرب، والتي يعني توسعها بروز وتشجيع للجماعات المتطرفة، ويجب رفع مستوى التنسيق الأمني مع الخليج لضمان الاستقرار، ودعم أمن البحر الأحمر باعتباره خطًا أحمر للأمن القومي.
ونوه بأنه في ظل المتغيرات الإقليمية المتسارعة، أصبح من الضروري لمصر تعزيز قدراتها في مجال أمن الطاقة والملاحة، وعدم الاعتماد فقط على مصادر تتاثر بالعوامل الخارجية أو الظروف المتقلبة، موضحًا أن امتلاك أدوات مثل وحدة «FSRU» الوطنية، وتطوير الإنتاج المحلي، وتعزيز التنسيق الأمني الإقليمي، هي مفاتيح ضرورية للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والسياسي للبلاد، وعلى صانع القرار مواصلة دعم الجاليات المصرية في الخارج لما لهم من دور حيوي في دعم الاقتصاد الوطني، وضرورة الاستمرار في التعامل معهم باستراتيجية الحوافز وليس بالامتنان فقط.