ترجمات | «ساراماجو»، أول كاتب برتغالي يحمل جائزة نوبل، ينتقد إسرائيل: «ما يحدث في فلسطين يعد جريمة»

«ما يحدث فى فلسطين جريمة.. إن شعورًا بالإفلات من العقاب يتملك الشعب الإسرائيلى وجيشه. لقد تحولوا إلى مستفيدين من الهولوكوست»، هكذا علق الأديب البرتغالى «جوزيه ساراماجو» الحائز على جائزة نوبل فى الأدب خلال زيارته لمدينة رام الله الفلسطينية المحاصرة فى مارس من عام ٢٠٠٢. وبعد مرور ستة أشهر على الزيارة تحدث إلى الصحفيين قائلا: المزعج ليس أننى أدنت ما تقوم به السلطات الإسرائيلية، وارتكابها لجرائم حرب، فلقد اعتادوا على مثل هذه التصريحات. ما أزعجهم حقاً هى كلمات محددة لا يستطيعون تحملها. وهى «أوشفيتز».. ولكن حقيقة أنى وضعت أصبع على جرح أوشفيتز جعلهم يقفزون.
وكان مع ساراماجو فى زيارته ثمانية كُتاب، جميعهم أدلوا بتصريحات تُدين إسرائيل نذكر منهم وولى سوينكا، برايتن بريتنباخ، فينشينسو كونسلو وآخرون، وبرغم مرور ١٥ عاماً على رحيل الأديب البرتغالى العالمى جوزيه ساراماجو، والذى غادر دنيانا فى ١٨ يونيو ٢٠١٠، إلا أن تصريحه بشأن ممارسات الاحتلال الإسرائيلى لاتزال ترن بصداها فى أسماع العالم خاصة فى ضوء الأحداث المخزية الآن.
مُنح جوزيه ساراماجو جائزة نوبل للآداب عام ١٩٩٨، ليصبح بذلك أول أديب برتغالى ينالها.. ورغم تنصله السياسى، كثير من أعماله تُعرف بكونها تحوى نقداً سياسياً بطريقة غامضة. لم يحقق ساراماجو أول نجاح كبير له إلا بعد بلوغه الستين، وجاءت انطلاقة مسيرته دوليًا بعد نشر «بالتاسار وبليموندا» عام ١٩٨٢. وقد استند الملحن الإيطالى كورجى فى أوبراه «بليموندا» إلى هذه الرواية. ومنذ ذلك الحين، استقطب اهتمامًا واسعًا، وتُرجمت أعماله لكثير من اللغات. عانى ساراماجو من اللوكيميا توفى فى ١٨ يونيو عام ٢٠١٠ عن عمر ناهز ٨٨ عاماً.
وُلد جوزيه ساراماجو فى ١٦ نوفمبر ١٩٢٢ لعائلة من العمال الريفيين ذوى الدخل المحدود من منطقة ريباتيخو الوسطى فى البرتغال. وانتقلت العائلة إلى لشبونة، حيث عمل والده شرطيًا. فى سنوات مراهقة ساراماجو، اضطرته الظروف الاقتصادية الصعبة للانتقال من مدرسة ثانوية عادية إلى مدرسة مهنية، عمل لاحقًا فى وظائف متنوعة، بما فى ذلك ميكانيكى، قبل أن يتفرغ للكتابة.
فى عام ١٩٤٧، وفى سن الرابعة والعشرين، نشر ساراماجو روايته الأولى «أرض الخطيئة»، ولم ينشر مرة أخرى لمدة تسعة عشر عامًا. فى عام ١٩٦٦ ظهرت أول مجموعة شعرية له «القصائد الممكنة». وفى ١٩٧٧ نشر روايته الثانية «دليل الرسم والخط» وخلال الستينيات والسبعينيات، كان ساراماجو نشطًا فى الصحافة، حيث عمل مساعدًا لمدير صحيفة دياريو دى نوتيسياس لفترة قصيرة، كان يدعم نفسه بالترجمة من الفرنسية. وفى عام ١٩٦٩ انضم إلى الحزب الشيوعى البرتغالى، وظل عضوًا ملتزمًا فيه، ارتبطت كتاباته ارتباطًا وثيقًا بالتعليق الاجتماعى.
من أبرز إنجازات ساراماجو رواية «عام وفاة ريكاردو ريس»، التى نُشرت عام ١٩٨٤. وحصلت على جائزة نادى القلم البرتغالى وجائزة الخيال الأجنبى المستقلة البريطانية. تدور أحداث الرواية رسميًا فى عام ١٩٣٦ فى لشبونة خلال فترة الديكتاتورية، حين كانت الجمهوريات فى أوروبا تحتضر، على الجانب الآخر من الحدود فى إسبانيا، تتصاعد الفاشية والبلاد تتجه نحو حرب أهلية؛ وفى البرتغال، كان سالازار قد وصل إلى السلطة بالفعل ويؤسس دولة بوليسية. فى هذه اللحظة، يقرر بطل الرواية، بعد إقامة طويلة فى البرازيل، العودة إلى لشبونة. عند مكتب الاستقبال فى فندقه المطل على الواجهة البحرية الذى اختاره عفويًا. ويزداد هذا الجو إشراقًا بفضل الزيارات المتكررة للشاعر الراحل فرناندو بيسوا لبطل الرواية ريكاردو ريس (إحدى الشخصيات المستعارة العديدة التى استخدمها الكاتب البرتغالى فرناندو بيسوا. الذى يُعدّ بدوره إحدى روائع الكاتب البرتغالى فرناندو بيسوا) وحواراتهما حول ظروف الحياة. وفى زيارته الأخيرة، يغادران العالم معًا.
غلاف الكتاب
فى الرواية، يعود ريكاردو ريس إلى لشبونة من البرازيل، بعد أن علم بوفاة بيسوا. وهناك، يختار عدم استئناف مزاولة الطب، بل الإقامة فى فندق، حيث يقضى أيامه فى قراءة الصحف والتجوال فى شوارع لشبونة.
تتناول الرواية مواضيعها بشكل غير مباشر إلى حد كبير، حيث يُكافح ريكاردو ريس للتعبير بوضوح عن مشاعره تجاه أحداث الحبكة. على سبيل المثال، يقرأ عن الأحداث التى أدت إلى الحرب الأهلية الإسبانية ويرى حشودًا من المهاجرين الإسبان يصلون إلى لشبونة طالبين اللجوء، لكنه لا يُعبّر أبدًا عن مشاعر قوية أو حتى عن فهم مُقنع لمعنى الصراع. ويعيش ريكاردو ريس أيضًا قصة حب باهتة، ولكن حتى فى ما يبدو أنه علاقاته الأكثر حميمية، فإنه ينعزل باستمرار وبشكل طوعى عن المجتمع. إن النظرة الأكثر كشفًا لشخصية ريكاردو ريس تأتى من خلال سلسلة من المحادثات مع روح فرناندو بيسوا، والتى يفقد خلالها ريس مفهومًا واضحًا عن طبيعة الحياة والموت. فى المشهد الختامى للرواية، «يموت» ريكاردو ريس وهو يرتدى سترته بهدوء ويتبع بيسوا إلى المقبرة.
ابتكر فرناندو بيسوا شخصية ريكاردو ريس قبل خمسين عامًا تقريبًا من صدوره، وقدّم له سيرة ذاتية وكتب العديد من القصائد تحت هذا الاسم. قام ساراماجو بوضع الشخصيتين جنبًا إلى جنب يُبرز طمسًا متعمدًا للحدود بين الخيال والواقع، وهو موضوع شائع فى أعمال ساراماجو. يقضى ريكاردو ريس معظم وقته فى قراءة رواية بعنوان «إله المتاهة»، وهى رواية خيالية ذكرها الكاتب خورخى لويس بورخيس ونُسبت إلى الشخصية الرئيسية فى قصته القصيرة «دراسة أعمال هربرت كوين».