الغردقة: الخيار الأول للعرب المغتربين في أوروبا لقضاء عطلاتهم

تشهد مدينة الغردقة، انتعاشة جديدة ومختلفة في موسم الصيف والعطلات، مع تزايد ملحوظ في أعداد السياح العرب القادمين من المهجر الأوروبى، خصوصًا من الجاليات العربية المقيمة في ألمانيا وفرنسا وهولندا وبلجيكا والنمسا والسويد.
وأكد عدد من العاملين بالقطاع السياحى بالغردقة أن أغلب هؤلاء الزوار تنتمى أصولهم إلى سوريا والعراق وتونس والجزائر والمغرب، ويشكلون ظاهرة سياحية لافتة، تحمل طابعًا ثقافيًا واجتماعيًا واقتصاديًا مميزًا، حيث يجمع هؤلاء الزوار بين الحنين إلى أوطانهم الأصلية والرغبة في قضاء عطلة عائلية دافئة في بيئة مألوفة وآمنة وتقدم خدمات سياحية عالمية المستوى.
وقال سيد الجابرى مدير عام إحدى المجموعات السياحية الكبرى إن هذه الموجة من السياحة العربية الأوروبية تعكس تحولًا في أنماط السفر، حيث لم تعد الوجهات الأوروبية وحدها جاذبة للعائلات المهاجرة، بل أصبح كثير من أبناء الجاليات العربية يفضل المنتجعات السياحية في الغردقة حاليًا ما يمنح العائلات إحساسًا بالانتماء والراحة، ويعزز من ولائهم المتكرر للفنادق التي تُشعرهم بأنهم في بيتهم الثانى مع قدرة العاملين في القطاع على التكيف مع متغيرات السوق واحتياجات العملاء المتجددة، خصوصًا في ظل المنافسة الإقليمية القوية من وجهات كتركيا، وقبرص، ودبى وأن هناك عائلات من الجاليتين السورية والعراقية في فرنسا تحجز لمدة ٣ أسابيع كل صيف منذ ٥ أعوام متتالية، وتطلب دائمًا نفس الجناح، وذات فريق الخدمة، بل وتحتفل بأعياد ميلاد أطفالها في الفندق نفسه، وهو ما يعد نجاحًا حقيقيًا للفكرة.
ورغم هذا الإقبال، يرى بعض المتخصصين أن الترويج للسياحة العربية من أوروبا ما زال محدودًا كما يقول الخبير السياحى عصام على عضو غرفة العاديات والسلع السياحية، متابعًا: «نحتاج إلى حملات موجهة للعرب المقيمين في أوروبا، خاصة عبر وسائل التواصل باللغة العربية، وعبر المساجد والمراكز الإسلامية، وعبر مؤثرين عرب في أوروبا، فهؤلاء لديهم استعداد لزيارة مصر، فقط يحتاجون لدعوة ذكية».
سياح يستمتعون بالشواطئ النقية والطقس المعتدل فى الغردقة
ومن اللافت أن السياحة من العرب المهاجرين لا تقتصر على الإقامة بالفنادق، بل تشمل زيارة أقارب في القاهرة، وشراء منتجات محلية، والمساهمة في إنعاش السوق السياحى والخدمى بشكل عام، كما تمثل فرصة لتجديد الصلة بالهوية العربية والثقافة الإسلامية.
وهناك عدة عوامل تشجع العرب المهاجرين على اختيار الغردقة كما يقول محمود عرفة مدير التسويق بإحدى شركات السياحة الأجنبية أبرزها قربها الجغرافى وسهولة الوصول من أوروبا وتوفر رحلات طيران مباشرة ومنخفضة التكلفة من ألمانيا، وهولندا، وفرنسا، وإيطاليا، كما تتميز بالطابع العربى والمناسب للأسر المحافظة والطقس المعتدل والشواطئ النقية والشعاب المرجانية.
وأكد على ناجى الشيف العمومى بإحدى القرى السياحية بالغردقة أن خدمات كثيرة تقدم للسياح من العرب المهاجرين لأوروبا وفى مقدمة هذه الخدمات مستوى المطاعم وتنوعها، حيث بدأت بعض الفنادق والقرى السياحية الكبرى في التوسع بإدراج أطباق عراقية وسورية ومغربية في قوائم الطعام اليومية، مثل الكبة والمندى والكسكس والطاجين، إلى جانب الحلويات التقليدية، كالبقلاوة والزلابية، وحتى تقديم الشاى المغربى والعرقسوس المصرى، ليكتمل المشهد الثقافى بكل ملامحه، وهذا الاهتمام بالتفاصيل الصغيرة جعل السياح العرب القادمين من أوروبا يشعرون بالاحتضان الثقافى والنفسى، وليس فقط الاستقبال الفندقى الجيد.
وقال محمد عبدالصبور، مدير عام أحد الفنادق الكبرى بالغردقة إن العرب المقيمون في أوروبا يأتون بأسرهم وأطفالهم، ويمكثون لأسبوعين أو أكثر، ويبحثون عن الراحة والخدمات العربية والخصوصية، لذلك نُعد لهم برامج خاصة، تشمل وجبات شرقية، وأمسيات فنية، وأنشطة للأطفال.
وأكد الدكتور حسام أبوضيف أستاذ إدارة الأعمال بكلية التجارة بجامعة جنوب الوادى، أن هذه العائلات تنفق بسخاء نسبى، مقارنة بالمتوسط، إذ تميل لشراء الهدايا والتذكارات، وتفضّل الجولات البحرية، ورحلات السفارى، وزيارة الأسواق المحلية، وهو ما ينعش قطاعات متنوعة خارج السياحة المباشرة، مثل الحرف اليدوية، وخدمات النقل، والمطاعم المحلية، وحتى معامل التحاليل والعيادات الطبية الخاصة، لافتًا إلى أن إنفاق الفرد العربى القادم من أوروبا في الغردقة قد تتجاوز ثلاثة أضعاف السائح الأوروبى العادى، بسبب طبيعة الرحلة العائلية الطويلة وتنوع الخدمات التي يطلبونها، وارتباط الرحلة لديهم بأجواء وجدانية خاصة ولا يخفى أن هذه السياحة «العربية الأوروبية» تقدم فرصة ذهبية لصناعة السياحة المصرية لاستعادة زخمها العاطفى والثقافى، وتأكيد دورها في ربط الشتات العربى بجذوره من خلال
وقال «على جابر»، عراقى مقيم في ألمانيا، إن الغردقة تمثل له «وطنًا عربيًا بديلًا» لقضاء الإجازة، حيث يشعر بالقرب من العادات والتقاليد، ويتحدث مع الناس بلغته الأم، ويستمتع بمأكولات تشبه تلك التي افتقدها في الغربة، وكل ذلك في بيئة سياحية آمنة ومجهزة.
أما «ليلى بوشوشة»، مغربية تعيش في بلجيكا، فتقول إنها تزور الغردقة للمرة الثالثة مع أسرتها، وتفضلها على وجهات أوروبية باهظة، وتابعت: «هنا الجو رائع، البحر نظيف، والفنادق ممتازة والأسعار مناسبة مقارنة بأى بلد أوروبى. والأهم: أشعر أننى بين أهلى».