الحكومة تتبنى خطوات للتصدي لتغير المناخ.. ومصر من بين الدول الأكثر تأثرًا على مستوى العالم

قالت الدكتورة ياسمين فؤاد، وزيرة البيئة، إن العاصفة الشديدة التى تعرضت لها محافظة الإسكندرية جاءت نتيجة سيناريوهين؛ الأول بسبب منخفض جوى، والثانى كونها تعد إحدى مظاهر التغيرات المناخية، المعروفة عالميًا بـ«موجات الطقس الجامح»، والتى تصاحبها ظروف جوية غير تقليدية، مثل ارتفاع درجات حرارة غير مسبوق، أو حدوث منخفضات جوية يصاحبها أمطار غزيرة تتجاوز فى كمياتها وسرعات رياحها كل التوقعات.
وأضافت وزيرة البيئة، أن الدراسات العلمية الحديثة تضع مصر ودول القارة الإفريقية ضمن أكثر المناطق تأثرًا بالتغيرات المناخية على مستوى العالم، ونوهت بوجود سيناريوهين حول غرق الإسكندرية والدلتا؛ أحدهما إيجابى والثانى متشائم، لافتةً إلى أن الحكومة وضعت استراتيجية للتعامل مع كلا السيناريوهين، وتتعامل مع هذه الدراسات بمحمل الجد، كما بدأت فى اتخاذ إجراءات حماية لتقليل آثارها.
وعن الإجراءات الحكومية، أشارت الوزيرة إلى أن إنشاء ١٦ مدينة عمرانية خارج الدلتا، يعد جزءًا من خطة الدولة لمواجهة التغيرات المناخية، وذلك تشجيعًا للمواطنين للخروج من منطقة الدلتا، كما تعمل الدولة على استكمال إجراءات الحماية وتفعيل نظام الإنذار المبكر، مستدركة: «نتعاون مع مختلف الوزارات منها الرى لعلاج مشكلة تسرب مياه البحر واستغلالها، وظاهرة ارتفاع منسوب سطح البحر تعد من أخطر التحديات التى تواجهها المناطق الساحلية، إذ يتسبب ارتفاع درجات الحرارة عالميًا فى ذوبان الجليد وتبخره، ما يؤدى إلى ارتفاع تدريجى فى منسوب مياه البحر.. الدولة اتخذت إجراءات استعدادية للتغيرات المناخية منذ ١٠ سنوات».
وتابعت: «ارتفاع درجات الحرارة سيؤدى إلى ارتفاع منسوب البحر إلى نحو ٥٠ سنتيمترًا خلال الفترة بين عامى ٢٠٥٠ و٢١٠٠، وهو ما يعد رقمًا خطيرًا يستدعى الاستعداد الجاد، حيث سيؤدى إلى غرق كامل للإسكندرية والدلتا، وهو ما تواجهه الحكومة بإنشاء مدينة جديدة فى الصحراء».
بدوره، أوضح الدكتور كريم محمود حسن طنبل، أستاذ علوم البحار الفيزيائية والتغيرات المناخية، عميد البحث العلمى للشئون البحرية بالأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا والنقل البحرى – الإسكندرية، أن التغير المناخى ظاهرة طبيعية تحدث على كوكب الأرض، ومن بين آثارها الواضحة ارتفاع درجات الحرارة العالمية، ما يؤدى إلى ذوبان الجليد فى الأقطاب وتمدد مياه البحار والمحيطات، وبالتالى ارتفاع منسوب سطح البحر.
وأضاف «طنبل»، لـ«المصرى اليوم»، أن السواحل المصرية، ومنها مدينة الإسكندرية، تعانى من ظاهرة «الهبوط الأرضى السنوي»، وهو ما يزيد من خطر تعرضها لآثار ارتفاع سطح البحر مستقبلًا، مردفًا: «بشأن احتمالية غرق الإسكندرية؛ فالكثبان الرملية تعد خط الدفاع الأول أمام البحر، وهى ترتفع عن سطح البحر بنحو مترين، ما يجعل احتمالات غرق المدينة ضئيلة فى ظل الأوضاع المناخية الحالية، لكن تآكلها سيؤدى لغرق المدينة».
وأشار «طنبل»، إلى أنه وفقًا للتقديرات الحالية؛ فإن الزيادة المتوقعة فى منسوب سطح البحر بحلول عام ٢١٠٠ قد تصل إلى ٣٤ سنتيمترًا فقط، وهى لا تكفى بمفردها لإغراق الإسكندرية؛ إذ إن غرق الإسكندرية يتطلب ارتفاع منسوب البحر نصف متر؛ لكن إذا استمرت معدلات الانبعاثات الكربونية واستخدام الوقود الأحفورى فى التزايد كما هو الحال؛ فإن الوضع قد يتغير وتتسارع التأثيرات بشكل أكبر مما يتوقعه الجميع.
فى سياق متصل، أطلقت وزيرة البيئة، الحوار المجتمعى الوطنى حول تغير المناخ، والذى تنظمه الوزارة بالتعاون مع منظمات الأمم المتحدة، فى إطار تطوير خطتها الوطنية للتكيف (NAP)، بالتعاون مع شركاء التنمية، لتحديد ومعالجة مواطن الضعف المناخية بشكل منهجى فى مختلف القطاعات والمناطق، وضمان أن يكون تخطيط التكيف شاملًا وتشاركيًا ومتعمقًا فى التجارب المعيشية للمجتمعات الأكثر تضررًا من تغير المناخ.
وأكدت وزيرة البيئة، أن الأمم المتحدة بوكالاتها المختلفة شريك أساسى لمصر على مدار عقود، لتحقيق تحول أخضر ناجح فى مصر، لافتة إلى أهمية الرحلة التى مرت بها مصر فى العمل البيئى بدعم من منظمات الأمم المتحدة وتحت قيادة رئيس الجمهورية المؤمن بأن البيئة والاستدامة فى قلب عملية التنمية لتحقيق حياة كريمة ومستدامة للمواطنين، مشيدة بدور كل شريك فى رحلة ملهمة وناجحة، اجتمعت فيها مختلف الجهود على اختلاف المواقع والمسئوليات.
وقالت الوزيرة، إن إطلاق الحوار المجتمعى لتغير المناخ جاء ضمن أهداف البرنامج الحكومى الحالى لمدة ٣ سنوات، إيمانًا بأهمية دمج المجتمع فى حوار يتسم بالشفافية والتشاركية والمصداقية لسماع آراء أصحاب المصلحة ورفع الوعى فيما يخص تغير المناخ، فى ظل اختلاف طبيعة كل محافظة، سواء ساحلية أو زراعية أو سياحية والتكدس السكانى حول الدلتا، إذ تم البدء من خلال ندوات تعريفية لملف تغير المناخ من مختلف الشركاء والحديث مع الجمعيات الأهلية وصغار المزارعين فى منظومة قش الأرز، والصيادين، وغيرهم، منوهة بأن الحوار المجتمعى يركز على المرونة والصمود والتكيف؛ باعتباره أولوية لجمهورية مصر العربية، ويعد ملحًا فى الوقت الحالى أكثر من أى وقت مضى لجمع أصحاب المصلحة على اختلاف أجنداتهم واحتياجاتهم، ليكونوا على معرفة بأبعاد تحدى تغير المناخ والجهود التى تبذلها الدولة لاحتواء أزمات آثاره.
وأضافت: «ما شهدته الإسكندرية منذ أيام جاء أقل حدة من المتوقع بفضل الإجراءات المتخذة فى تعديل نظم صرف الأمطار، والقدرات البشرية المدربة على إدارة الأزمة، والحلول القائمة على الطبيعة المنفذة من سدود ما بين بئر مسعود حتى المحروسة كمرحلة أولى، ما خفف التأثير على الساحل على عكس المتوقع، والآثار التى شهدتها مناطق مثل الإسكندرية ورأس غارب والصعيد، تطلب إطلاق حوار مجتمعى للتحاور مع المواطنين باختلاف مواقعهم للاستماع إلى شواغلهم وآرائهم والحلول المقترحة، والتماشى والتكامل مع الجهود المبذولة من الدولة، وذلك بحوار منظم يتم فيه تحديد الموضوعات المطروحة والمحافظات التى سيجرى بها، والمعلومات المقدمة، والنتائج المتوقعة».
وأشارت الوزيرة، إلى أنه من أهداف الحوار – كذلك – إشراك المواطنين فى الإصلاحات الهيكلية فى السياسات فى ملف المناخ، التى تنفذها الدولة، ومنها مخاطر المناخ فى القطاع المصرفى، وتعديل السياسات الخاصة بالتوسع فى الطاقة الجديدة والمتجددة، والتعاون مع الوزارات المعنية لكفاءة استخدامات المياه، إلى جانب إشراك القطاع الخاص بتوفير حوافز وسياسات خضراء للمضى نحو طرق أكثر استدامة، حتى لا تكون جهود الحكومة فى صياغة وتنفيذ وتطبيق السياسات بمعزل عن المجتمع، كما سيساعد على تسليط الضوء ع لى الوظائف الخضراء والمشروعات الصغيرة والمتوسطة.
وأكدت الوزيرة، أن تحقيق الانتقال الأخضر العادل يتطلب سياسات داعمة من الدولة بالتشاور مع أصحاب المصلحة، وحوارًا مجتمعيًا بناء وشفافًا وصادقًا يستمع للأجندات المختلفة لفئات المجتمع، وعرض الجهود التى تبذلها الحكومة، إذ وضعت الدولة العديد من السياسات والاستراتيجيات، ومنها استراتيجية التنمية المستدامة ٢٠٣٠، والاستراتيجية الوطنية لتغير المناخ ٢٠٥٠، وخطة المساهمات الوطنية ٢٠٣٠، وبناء الهياكل المؤسسية داخل الوزارات لدمج تغير المناخ، وبناء نظام التحقق والرصد والإبلاغ لجمع البيانات والمعلومات وتحليلها، والخطة الوطنية للتكيف.