الكاتب اليمني الكبير الغربي عمران يقدم: “١٣ درجة تحت الماء”.. رواية تمزج بين الإثارة والمعرفة.

الكاتب اليمني الكبير الغربي عمران يقدم: “١٣ درجة تحت الماء”.. رواية تمزج بين الإثارة والمعرفة.

فاطمة وهيدى اسم لا يغيب عن المشهد الثقافى، فهى مبدعة متنوّعة، تركت بصمتها فى الشعر، القصة، الأقصوصة، وأدب الطفل، كما تُرجم بعض من أعمالها إلى لغاتٍ غيرِ العربية. وبالإضافة إلى إبداعها، فهى ناشطة ثقافية نشطة، نتابع مشاركاتها الأدبية المتنقلة بين داخل مصر وخارجها.

مع بداية عام ٢٠٢٥، صدر لها رواية لليافعين بعنوان «١٣ درجة تحت الماء»، عن دار روفد بالقاهرة، تقع فى ١١٢ صفحة موزعة على ثلاثة وعشرين فصلًا، تتخللها رسومات تعبيرية للفنانة غادة صادق.

الروائى اليمنى الغربى عمران

هذه الرواية تنبض بالتشويق والمعرفة، دون الوقوع فى شرك التقريرية، فالمعرفة هنا جزء لا يتجزأ من مسار الأحداث وتناميها، إذ تنسج وهيدى عالماً قصصيًا لا يكتفى بإمتاع القارئ، بل يثريه أيضًا.

أعماق الكائن الطموح فى عالمٍ واسع

تدور الرواية حول شخصية ماجد، شاب مصرى فى السابعة عشرة من عمره، يقف على أعتاب الثانوية العامة، ويحلم بأن يكون جزءًا من فريق متطوعين يشارك فى أبحاث لحماية البيئة البحرية، ضمن مشروع تطلقه منظمة فرنسية تستهدف البحر الأبيض المتوسط، ولا يكتفى بالحلم، بل يرسم طريقه بوعى وتصميم، متسلّحًا بإيمانه بقدراته وروح المغامرة التى تسكنه.

الأسرة نواة الحب والتوازن

فاطمة وهيدى

فى قلب هذا العمل، تنبض صورة لأسرة نموذجية: أب، وأم، وماجد، وأخته الصغيرة مريم، وسط عالم يضج بالاكتظاظ والفقر وتناقص الموارد، تومض هذه الأسرة كرسالة مبطّنة تدعو للتوازن والوعى الأسرى، يظهر التفاهم بين أفرادها واضحًا، وخصوصًا فى دعمهم لطموح ماجد بعد فوزه بالمسابقة، رغم المخاوف الطبيعية. فهم لا يكتفون بالموافقة، بل يرافقونه بالدعم والتشجيع حتى النهاية، فى صورة جميلة عن التكاتف العائلى.

الرحلة من الحلم إلى الأعماق

تمضى الرواية بخطى واثقة، تبدأ بلحظة الفوز فى مسابقة التطوّع البيئى، إذ يتعين على ماجد إقناع والديه بقبول سفره، تتأرجح مشاعر الأسرة بين القلق والفخر، حتى تحين لحظة الموافقة، فتبدأ التحضيرات الحثيثة: استخراج جواز السفر، ترتيب الأولويات، والانشغال بالتفاصيل الصغيرة التى ترافق الرحلات الكبيرة. وما إن تحط قدم ماجد فى باريس حتى تتسع عدسة السرد لتغمر القارئ بعوالم جديدة، ولقاءات مشوّقة مع أصدقاء من ثقافات متنوعة، مثل ماركو وكارلا ورشيدة ومهند، لكلٍّ منهم حكاية وأفق مختلف.

غلاف الكتاب

من خلال هذه الشخصيات، تفتح نوافذ على المجتمع الفرنسى، ومعالم المدينة، وقيم الشعوب، ويتسرب إلى القارئ كثير من المعارف بسلاسة، كحديث كارلا التى رغم تحضيرها للدكتوراه فى الأدب، تعمل لتغطية نفقاتها، فتجسّد نموذجًا للوعى الحضارى والاستقلال.

يتصاعد التوتر مع اقتراب موعد التصفيات، لكنه يُقابَل بمفاجأة سارة: اللجنة تقرر قبول المتأهلين الثلاثة معًا، مما يحوّل التنافس إلى تعاون، ويعمّق رسائل الرواية حول روح الفريق والعمل المشترك.

ثم تبدأ تجربة الغوص الحقيقية، حيث تغوص الرواية بدورها فى عمق المحيط والمعلومة، وتقدّم معطيات علمية عن البيئة البحرية وتحدياتها.

غير أن المفاجأة الدرامية الكبرى تقع حين يُختطف ماجد من قِبل عصابة تتاجر بالمرجان الأسود، فتطل التكنولوجيا بدورها من بين الأحداث كوسيلة إنقاذٍ فعّالة، لتنتهى هذه المغامرة بحضور والدى ماجد إلى باريس، ليشهدا تكريمه هناك، ثم فى مدرسته بالقاهرة، فتغدو الرحلة تجربة نضجٍ واكتشاف تُضاف إلى أرشيف الذاكرة والقلب.

بين العاطفة والطموح: خيط إنسانى شفيف

لا تقتصر الرواية على المسار العلمى والتشويقى، بل تتخللها مشاعر إنسانية رقيقة، خصوصًا فى العلاقة المتنامية بين ماجد وعلياء، والتى تضفى على النص بعدًا وجدانيًا يقرّبُ القارئَ من البطل. هذا التوازن بين الطموح والعاطفة، بين الفرد والأسرة، يجعل من الرواية عملًا متكاملًا يعكس نضج الكاتبة وقدرتها على الإمساك بخيوط متباينة داخل نسيج واحد.

الرسم والسرد: تماهٍ فنى

تُزيّن الرواية رسومات الفنانة غادة صادق، التى استطاعت ببراعة أن تجسّد الشخصيات والمشاهد، معبرة عن انفعالاتها الداخلية وحالاتها الشعورية، مما أضاف بعدًا بصريًا يعزز من تجربة القراءة ويمنحها خصوصية فنية.

تفاصيل دلالية ذكية

من اللافت فى الرواية استخدام أسماء تبدأ بحرف «الميم» مثل ماجد، مريم، مهند، ماركو، مجاهد، مما يخلق إيقاعًا لغويًا خفيًا يربط الشخصيات برباط رمزى غير مباشر. أما السرد فجاء بضمير المتكلم على لسان ماجد، مما أضفى صدقًا وقربًا، إذ ينقل القارئ مباشرة إلى داخله، فيرى العالم بعينيه، ويشعر بقلبه.

خاتمة ذات طابع تأملى

تختم الكاتبة الرواية بجملة شديدة الذكاء، يكتبها ماجد بنفسه حين يقرر توثيق تجربته، ويقول: «قررت أن أكتب كل ما حدث لى، منذ أن شاركت فى هذه المهمة، وعندما حرت فى اختيار عنوان لها، نظرت إلى ساعتى، فكانت الحرارة ٣١ درجة، فتذكرت، وابتسمت، ثم قررت أن يكون العنوان: ١٣ درجة تحت الماء.» نهاية تترك القارئ مبتسمًا، متأملاً، وممتنًا لهذه الرحلة.

أدب اليافعين رسالة نبيلة

غلاف الرواية بدوره ليس مجرد صورة، بل لوحة تنطق بالمحتوى: أحياءٍ بحريةٍ تحيط بماجد فى الأعماق، فى تناغم بصرى وسردى تام، والرواية بكل تفاصيلها، وما تحمله من معرفة وتشويق ورسائل، تعبّر عن روح وهيدى الشفافة، وإنسانيتها العميقة، فكتابة أدب اليافعين ليست مهمة عابرة، بل هى مسؤولية لا يتقنها إلا من امتلك قلبًا نقيًا وعقلاً متوهجًا.

ومن الصفحة الأخيرة، نقرأ:

«بدأت بالسباحة فى اتجاه أظنه هو آخر اتجاه رأيت فيه ماريو، أو هكذا اعتقدت… مرت دقائق، ولكنها بدت دهراً. نظرت فى ساعتى، فوجدت أننى على عمق ١٣٤ مترًا، ودرجة الحرارة ١٣…».

رواية من هذا النوع، تجمع بين المغامرة والمعرفة، وتغذى وعى القارئ وروحه، تستحق أن تصل إلى أكبر عدد ممكن من اليافعين، وأنا على يقين أن كل من يبدأ قراءتها، سيصل إلى آخر صفحاتها بقلبٍ أكبر ووعى أعمق.