السعي وراء السعادة المفقودة في ‘الكوافير’: تأثير التضخم على احتفالات النساء في ليلة العيد

لطالما كانت فرحة العيد عند النساء تبدأ قبل حلوله بأيام طويلة، في طقوس خاصة وتجهيزات مختلفة لا يعرف تفاصيلها وحلاوتها سوى النساء. من بين تلك الطقوس، تتربع زيارة الكوافير على القمة، كموعد سنوي شبه مقدس مع الذات.
هناك- في الكوافير- ترمي النساء وراء ظهورهن تعب الأيام، وعناء الضغوط، يخلعن رداء الهموم ويستبدلونه بـ «لون جديد لشعورهن» يحمل طاقة مليئة بالبهجة وشعورًا بالاختلاف، «حكايات وتفاصيل نسوية مشتركة»، لبدء حياة أشبه بالجديدة، تقاوم ثقل الحياة ومتاعبها، فرحة تنسدل بين صباغة كل خصلة، أو «قصّة شعرِ» أو لمعة أظافر. لكن، تلك الفرحة بدأت تتلاشى شيئًا فشيئًا، خلال السنوات الأخيرة، لتفقد هذه الطقوس جزءً من روحها، بعدما زاحمها الغلاء، وجردها التضخم من عفويتها المعتادة، فصارت زيارة «الكوافير»، قرارًا مؤجلًا أو أملًا مقتصرًا على ما هو «ضروري وبس».
«المصري اليوم» خاضت جولة بين «صالونات السيدات» في مناطق تمثل طبقات اجتماعية متباينة تستمعل لحكايات نسوية خاصة بتجهيزات فرحة ليلة العيد، وكيف يتحايلن على التضخم الذي التهم جزءً من فرحتهن.
ومن بين تلك الحكايات، تبرز قصة فاتن محمود ذات الـ 28 عامًا، وهي تقف وسط صالون تجميل صغير في أحد أزقة حي عابدين، المكان مألوف، المرايا تلمع كما اعتادت، والكراسي الجلدية تئن من الفراغ، تتلفت -فاتن- بعينيها الباحثتين عن لمسة فرح، تسأل بصوت خافت صاحبة الكوافير عن أسعار الخدمات التي لطالما لازمت «طقوس العيد» منذ سنوات: «صبغة شعر، باديكير، مانيكير، استشوار، وقَصة جديدة»، كانت بالنسبة لها أكثر من خدمات تجميل، فهي مناسبة لتجديد داخلي وصورة عيدية تقاوم التعب والرتابة، لكن الإجابة جاءت صادمة بعض الشئ. «يا مدام فاتن، كل حاجة زادت.. أصل الدولار رفع كل شئ»، هكذا قالت صاحبة الصالون، وهي تسرد قائمة الأسعار الجديدة بصوت خافت يحمل تبريرًا لتلك الزيادة.
تصمت «فاتن»، تنكسر نظراتها نحو الأرض، في حزن يشير إلى ضياع فرحة كانت منتظرة، ثم تعتذر بابتسامة خافتة وتغادر بخطى متثاقلة. كانت ليلة العيد بالنسبة لها لحظة خاصة، احتفال داخلي بقدوم الفرح، حتى لو كان عابرا. لكن موجات التضخم المتلاطمة لم تترك شيئا دون أن تصدمه. حتى مستحضرات التجميل لم تنج من الغلاء، إذ ارتفعت أسعارها بنسبٍ تجاوزت الـ 40٪ في العامين الأخيرين، بحسب رئيس «شعبة الكوافير» سابقًا، ومع هذا الارتفاع، تبدلت ملامح طقوس العيد، حتى في أبسط تفاصيله.
تحكي فاتن لـ«المصري اليوم»: «كنت كل سنة أروح الكوافير مع صحباتي، نعمل الصبغة والباديكير والاستشوار، ومش بندفع أكتر من 600 جنيه، النهاردة الصبغة مع إضافة لون آخر تجاوزت الـ 1200 جنيه، بقينا نعمل الضروري بس، علشان نحس إن العيد لسه له طعم». في زحام الأرقام والتغيرات الاقتصادية، تبقى قصة فاتن مرآة لكثيرات يحاولن رغم كل شئ أن يحتفظن ببصيص من فرحة تشبه ذكريات «العيد القديم».
في مارس 2022، قررالبنك المركزي تحرير سعر الصرف، ليرتفع سعر الدولار أمام الجنيه إلى 19 جنيهًا لأول مرة منذ 2016، ثم تحرك السعر مجددًا في أكتوبر من نفس العام ليصل إلى 22.85 جنيه، وفي يناير 2023 تخطى حاجز 31 جنيهًا، وفي مارس 2024، وصل سعر الدولار رسميًا في البنوك إلى نحو 50 جنيهًا وسجل سعره حتى كتابة هذه السطور 49.59 جنيهًا.
ورافق ارتفاع الدولار موجات متتالية من التضخم ضربت أسعار مختلف السلع والخدمات، وبحسب بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، فقد شهد معدل التضخم السنوي تغيرات حادة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، ففي ديسمبر 2022، سجل التضخم السنوي 21.3%، متأثرًا بقرار تحرير سعر الصرف، وفي نهاية 2023، قفز إلى 35.2%، ومع بداية 2024، بدأت وتيرة التضخم في التراجع نسبيًا، ليصل في ديسمبر إلى 23.4%، وفي آخر بيانات معلنة عن شهر أبريل 2025، بلغ معدل التضخم السنوي 13.5%، وهو أدنى مستوى منذ منتصف 2022.
بينما تحاول الكثيرات انتزاع فرحة العيد بما تبقى من الميزانية، يقف على الطرف الآخر أصحاب صالونات التجميل في مواجهة يومية مع واقع أكثر تعقيدًا، الأسعار تشتعل، والخامات تتضاعف، والإقبال يتراجع، وكأن الكوافير نفسه لم يعد ملاذًا للجمال، بل ساحة صراع بين التكلفة والاستمرار.
زيادة 5 أضعاف و50% تراجع في الإقبال
صالون تجميل للسيدات
وفي أحد صالونات حي الدقي، يحكي مينا مجدي، صاحب إحدى صالونات التجميل، يعمل منذ 12 عامًا، عن التحولات القاسية في سوق التجميل خاصة في آخر 3 سنوات: «الخامات ارتفعت بشكل مش طبيعي؛ فيه نوع شامبو كنا بنجيبه بـ 300 جنيه، بقى بـ1100، وكِريم الشعر وصل لـ 1200 بدلًا من 250 جنيهًا، وعبوة صبغة الشعر من 60 بقت بـ 300».
يشير«مينا» في حديثه لـ «المصري اليوم» إلى أن أسعار مستلزمات التجميل تضاعفت خلال السنوات الثلاث الأخيرة لأكثر من 5 أضعاف، بينما تراجع الإقبال بنسبة تتجاوز 50% كيف أثرت زيادة الأسعار على حركة الزبائن؟ يوضح: «الست اللي كانت شهريًا بتيجي تعمل صبغة بقت تيجي كل 3 و4 شهور، وأنا مضطر أرفع سعر الخدمة بالتدريج، لأني مش قادر أتحمل ده لوحدي، إحنا بنقتسم الزيادة أنا والزبونة».
لم تتوقف الضغوط عند أسعار الخامات فقط، بل امتدت للإيجارات والكهرباء. يشرح«مينا» أن إيجار محله ارتفع من 15 ألف جنيه إلى ما بين 25 و30 ألفًا شهريًا، فضلًا عن ارتفاع تكلفة الكهرباء، خاصة مع الاستهلاك الكبير في فصل الصيف.
اقرأ أيضًا: الاستشوار والماسك.. «شعبة الكوافير»: 10% زيادة بأسعار خدمات الصالونات «رجالي وحريمي» في العيد
الحنة بديل شعبي
بينما يحاول أصحاب الصالونات التعامل مع ارتفاع الأسعار، هناك عددًا من السيدات الاتي تحاولن الفرار من ارتفاع سعر الصبغات، وتتجه نحو شراء الحنة البلدي من محلات العطارة، والبحث عن الوصفات الطبيعية على أمل أن يجدين بهجة العيد بأقل التكاليف، وفي مواجهة الغلاء، لجأت الكثيرات إلى الطرق القديمة، وتغيرت طقوس العيدلا بالرغبة، بل بالضرورة.
في أحد أحياء الحوامدية جنوب الجيزة، تضع هبة رضوان، 45 عامًا، ربة منزل من مدينة الحوامدية، فوطة قديمة على كتفيها، وتجلس في«الحوش» الصغير أمام بيتها، وأمامها طبق بلاستيك به خليط من الحنة البلدي، اشترته من العطار بـ30 جنيهًا فقط. بجوارها تجلس ابنتها آية، 17 عامًا، تساعدها في وضع الحنة على شعرها، تضحك آية بسخرية من الأسعار وتقول:«أهو وفرنا 250 جنيه تمن الصبغة في الكوافير، وخبينا الشعر الأبيض، الحنة بركة».
تصمت هبة لثوانٍ، ثم تسترجع طقوسًا بسيطة فقدتها بسبب ارتفاع الأسعار، وتقول:«أنا وبنتي كنا بنروح كل ليلة عيد للكوافير، أعمل لها شعرها استشوار بـ50 جنيه وعمل مانكير 50، وأنا أعمل صبغة بـ100، دلوقتي الاستشوار والمكواه عدى 150، والصبغة مش أقل من 300، فبقيت أكتفي إن آية تروح تعمل شعرها بس لوحدها علشان تفرح مع أصحابها، وأنا بعمل الحنة في البيت».
ومن داخل أحد أقدم صالونات التجميل بحي الزمالك، تتحدث نادية إبراهيم، موظفة متخصصة في«الهارد جيل»، عن التغيرات الكبيرة التي طرأت على أسعار مستلزمات التجميل خلال السنوات الأخيرة، تقول نادية:«إحنا هنا زبونا من الطبقة المرتاحة، زمان كانت الست تدخل تدفع 400 أو 500 جنيه على شعرها وضوافرها وهي مبتفكرش، لكن دلوقتي بعد ما الأسعار تخطت 1200 جنيه، بقت بتسأل في كل تفصيلة وبتحسبها كويس وبقت تستغنى عن بعض الخدمات».
توضح نادية في حديثها أن أسعار جميع الخامات المستخدمة في تجهيز خدمات التجميل ارتفعت بشكل كبير، خاصة تلك التي تعتمد على الاستيراد، مثل خامات الصبغة و»«الأكريليك»، وهي طبقة توضع على الأظافر الطبيعية، ارتفاع سعر الزيوت والكريمات، تقول نادية:«يعني مثلًا تركيب الأكريليك كان 400 جنيه، النهاردة عدى 800 الصبغة لوحدها تخطت 2500 جنيه، وسعر الباديكير والمانيكير وصل لـ500 جنيه، وده كله نتيجة إن كل الخامات مستوردة وسعر الدولار».
40 % ارتفاعًا في أسعار مستحضرات التجميل
محمود الدجوي، رئيس شعبة الكوافير ومستحضرات التجميل بغرفة القاهرة التجارية سابقًا، كشف عن تراجع حجم استيراد مصر من مستحضرات التجميل خلال الآونة الأخيرة، قائلا: «الاستيراد سجل نحو 2 مليار دولار بدلًا من 3.8 مليار دولار»، يشير إلى أن مستحضرات التجميل شهدت ارتفاعًا بنسبة 40% خلال 3 سنوات الأخيرة.
يوضح الدجوي لـ«المصري اليوم»، أن مصر تعتمد على استيراد أدوات التجميل وصبغة الشعر بشكل خاص بنسبة 100% في ظل غياب مصانع محلية لإنتاج تلك الأصناف.
يضيف رئيس الشعبة، أن أسعار خدمات الكوافيرات والصالونات الرجالي شهدت ارتفاعا هذا العام، خاصة فترة عيد الفطر المبارك، بنسبة تصل إلى 10% مقارنةً بالعام الماضي 2024، نتيجة زيادة حجم استيراد المستلزمات، مشيرًا إلى أن الإقبال على الصالونات الرجالي أكثر بنسبة تصل إلى 20% عن كوافير السيدات، نظرًا لارتفاع مقابل الخدمة مقارنةً بالخدمات الرجالي.
ويشيرالدوجوي، إلى أن الإقبال على مراكز التجميل (الكوافيرات) تراجع بنسبة 35% منذ نهاية عام 2022، بسبب الارتفاع المستمر في أسعار أدوات التجميل نتيجة زيادة سعر الدولار، ما أثر على إنفاق العملاء، بينما شهدت الصالونات «الرجالي»، نفس التراجع بنسبة تصل أيضا إلى 35%، متأثرة بارتفاع تكلفة المستلزمات الخاصة بهذا القطاع.
ويوضح رئيس الشعبة الكوافيرات، أن إقبال المستهلكين على شراء مستحضرات التجميل المستوردة لا يزال أكبر من الإقبال على المنتجات المحلية، مُرجعا السبب إلى الجودة العالية للعلامات التجارية العالمية، في ظل ضعف خيارات وإنتاج السوق المحلي لبعض أنواع مستحضرات التجميل.
وحول أسعار الخدمات داخل الكوافيرات والصالونات الرجالي هذا العام، يشير الدجوي، أن سعر خدمة «الاستشوار والماسك» في الصالون الرجالي بالمناطق الشعبية تتراوح ما بين 50 جنيهًا إلى 100 جنيهًا وفي المناطق المتوسطة بين 100 إلى 250 جنيهًا وفي الأحياء الراقية من 250 جنيهًا لـ1000 جنيه.
وفيما يخض الخدمة في الكوافيرات السيدات، بحسب رئيس الشعبة، يتراوح سعر الصبغة في المناطق الشعبية ما بين 400 جنيهًا إلى 600 جنيهًا والمتوسطة ما بين 600 جنيهًا إلى 1000 جنيهًا في حين يصل السعر في المناطق الراقية من 1000 إلى 1500 جنيهًا.
ولفت إلى أن سعر خدمة تصفيف «الشعر بالبروتين» تتراوح ما بين 1000 جنيهًا إلى 1500 جنيهًا في المناطق الشعبية، وتصل في المناطق المتوسطة ما بين 1500 جنيهًا إلى 2000 جنيهًا والراقية ما بين 2000 جنيهًا إلى 3500 جنيهًا.