«عيني فقدت.. وراح خالي بعدها».. «تغريد» تحكي كيف أصبح خالها ضحية لمشاجرة كفر غطاطي.

«كأن سكينة اتغرست في قلبي لما عرفت إن خالي مات، كنت بحمد ربنا على عيني اللي راحت، بس لما عرفت اللي حصل له، معرفتش أقول غير: خالي شهيد الغدر».. بهذه الكلمات اختصرت تغريد محمد، الطالبة بكلية الآداب، تفاصيل المأساة التي بدأت بإطلاق نار عشوائي خلال مشاجرة بين عائلتين في منطقة كفر غطاطي بالهرم، أصيبت فيها برصاصة خرطوش استقرت في عينها اليمنى، بينما كانت تقف في شرفة منزلها تنشر الغسيل.
«كان بيجري ورا المتهم اللى ضرب الخرطوش عشان يسلّمه للشرطة، فمسك اللي ضرب بنت أخته وهو بيقول: (مش هسيب حقها).. كريم ماكانش معاه سلاح، ولا في دماغه إنه يخاف، لكن فجأة صاحب المتهم طلع فرد خرطوش، ووجّه السلاح على صدره، وضربه من مسافة قريبة»، يقول «محمد»، شقيق الضحية، لـ«المصرى اليوم» وهو يتذكر لحظة سقوط أخيه على الأرض غارقًا في دمائه.
«مكنتش متخيلة إن حاجة كده ممكن تحصل وإحنا واقفين في بيتنا.. فجأة حسّيت بنار بتعدّي في وشي، وبقيت مش شايفة حاجة، الدنيا اسودّت.. حرفيًا»، هكذا تقول «تغريد»، وهي تمسك بأطراف غطاء عينها اليمنى، التي فقدتها للأبد.
الرصاصة كانت طائشة، لكنها لم تكن عشوائية.. كانت جزءًا من مشاجرة مسلحة اندلعت بين عائلتين في المنطقة، وامتدت لحدود البيوت، لتخطف من الطالبة الجامعية، عينها اليمنى، ومن عائلتها رجلها الطيب، الخال «كريم».
كان المجنى عليه في الـ 40 من عمره، متزوج وأب لـ3 أطفال.. «أكبرهم عنده 8 سنين، وكان بيقولي دايمًا: (أنا عايز أربيهم يطلعوا رجالة)، وكان راجل بمعنى الكلمة»، يحكي شقيقه «محمد» بصوت تخنقه الدموع.
حين أصيبت «تغريد، كان زوجها أول من صرخ طلبًا للنجدة، فاتصل بعائلتها يصرخ: «الحقونا! تغريد اتصابت! في رصاصة دخلت في عينها!».. كانت مكالمة مدتها ثوانٍ، لكنها قلبت حياة أسرة بأكملها. (يمكنكم سماع تسجيل صوتي بالضغط هنا)
«جرينا كلنا.. أبوها، وأنا، وكريم، عشان نروح المستشفى. ماكنّاش عارفين اللي مستنينا في الطريق»، يقول «محمد»، بينما كانوا في طريقهم إلى المستشفى، التقى «محمد» و«كريم» بالجاني الذي أطلق النار، وهو أحد الجيران، تبين لاحقًا أنه منحاز لطرف في النزاع. «لقيناه ومعاه سلاحين.. بندقيتين خرطوش. قبضنا عليه وقلنا نودّيه للشرطة، إحنا ناس غلابة بس مش هنسكت عن الحق».
ما لم يعرفوه أن تسليم الجاني لن يمر بسلام: «وإحنا ماشيين في الطريق طلع علينا ناس تانية.. طلعوا أصحاب الجاني، وناس معروفين في المنطقة إنهم (أرباب سوابق)، كانوا مستنيينا، وبدأوا يزعقوا ويقولوا: (سيبوه وامشوا أحسن لكم)».
ضحية مشاجرة كفر غطاطي
رفض «محمد» و«كريم» الانصياع: «إحنا ماسكين اللي قتل بنت أختنا، هنسيبه ليه؟! بس فجأة، واحد منهم طلع فرد خرطوش، ووجّه السلاح مباشرة لصدر كريم، وضرب».
سقط «كريم» على الأرض، ولم يقُم: «وقع كده قدامي، زي ورقة بتقع من شجرة.. دم كتير، وصدره اتفتح.. ومات في ساعتها. أخويا راح، ومش هيرجع»، وفق شقيقه.
تغريد تروي تفاصيل اللحظة التي فقدت فيها خالها وعينها
«تغريد» لم تكن تعرف ما جرى، كانت ما تزال على سرير المستشفى، تتلقى الإسعافات الأولية، محاولة تقبّل فكرة أنها فقدت عينها اليمنى: «كل اللي كنت بفكر فيه ساعتها، إني هكمل ازاي حياتي، من غير عيني؟ كنت بقول الحمد لله، بس لما عرفت إن خالي مات عشاني، حسّيت إني أنا اللي متّ».
أخبروها في عيد الأضحى المبارك، حين لاحظت الأسود يعم المنزل: «مكانوش عايزين يقولولي.. بس عرفت. قلبي قالّي. حسيت إن في حاجة تقيلة، حاجة سكتتني.. وكأن سكينة اتغرست في قلبي».
لم ترَ جنازته، لم تلق عليه نظرة الوداع: «مشوّفتوش وهو رايح. كنت نايمة في المستشفى. بس قلبي شاف كل حاجة».
تتذكر «كريم» وتقول: «كان أحنّ واحد في الدنيا. كان بيقولي دايمًا: (أنا ضهرك، ومحدش يقدر يقرّب منك وأنا عايش)»، لكنها الآن تمشي دون ظهر، دون سند.
«إحنا مش طالبين غير حقنا.. القانون ياخد مجراه»، يقول «محمد»، شقيق المجنى عليه، المتهمون أُلقي القبض عليهم، والتحقيقات لا تزال جارية.
شقيقا ضحية مشاجرة كفر غطاطي- تصوير: محمد القماش
تعاود الطالبة الجامعية، ثم تضيف: «أنا لحد دلوقتي مش مصدقة.. ببص على صورته، وأقول: معقول؟ هو كريم مات؟ مات عشاني؟.. ماكانش ماسك سلاح، كان بيجري ورا اللي ضرني.. اتقتل وهو بيبص في وش اللي قتله.. اتقتل وهو بيحاول يحميّني».
الحياة توقفت بالنسبة لها، لم تعد «تغريد» تخرج كثيرًا من المنزل. «أنا مش بس فقدت عيني، فقدت حاجة جوّاي، فقدت خالي، وفقدت الأمان».
قوات الأمن تضبط المتهمين في حادث مشاجرة الهرم
في المساء، تجلس إلى جوار أطفال كريم الـ 3، تنظر في عيونهم، وتكاد ترى دمعة معلّقة، لا يعرفون كيف ينزلونها: «بنت خالو كل يوم تسألني: (بابا فين؟)، وأنا مش عارفة أرد».
«كل يوم بمرّ على المكان اللي أخويا اتقتل فيه.. ببص على الأرض، وأقول: هنا وقع، هنا راح»، يقول «محمد»، لترد عليه ابنة شقيقته: «خالي شهيد الغدر.. شهيد الأخلاق. وكان يستاهل يعيش.. بس عاش راجل، ومات راجل»، تقول وهي تلمس ببطء الغطاء الأسود على عينها، كأنها تود أن تربت عليه لا لتخفي الألم، بل لتُذكّر نفسها بأن الجرح باقٍ.. لكنه لن يُنسى.
تمكنت قوات الأمن من ضبط المتهمين الرئيسيين في واقعة إطلاق النار التي أدت إلى إصابة تغريد محمد ومقتل كريم ربيع، حيث جرى القبض عليهم بعد تحريات دقيقة ومتابعة مستمرة، وقررت النيابة العامة حبسهما.