والد ضحية جريمة مرصفا في القليوبية يروي الحادثة المأساوية: “ابني خرج لتصحيح خطأ… وعاد إلي في كفن”

في منتصف الليل، خرج سمير محمد السيد، رفقة شقيقيه «أشرف» و«أحمد» لعتاب أسرة شاب من الجيران بعدما اعتدوا على أخيه «الأول» بسبب مشادة بدأت بمعاكسة فتاة من العائلة.. لم يحملوا سلاحًا، لم ينووا قتالًا، فقط أرادوا أن «يردوا العيب» كما يقولون في الريف، لكن الجيران، كانوا في انتظارهم بـ«بلط وسكاكين». تلقى «سمير» طعنة نافذة في الظهر وضربة بلطة على الرأس فسقط قتيلًا، بينما أُصيب شقيقه «أحمد» بـ 3طعنات، في جريمة أصبحت حديث الناس في قرية مرصفا في القليوبية، وكسرت ظهر أسرة لا تملك من الدنيا سوى قوت يومها وأبنائها الـ3.
«كنت نايم، وصحوني على صوت صريخ في الشارع»، هكذا بدأ محمد السيد، والد الشاب الضحية، شهادته بصوت مبحوح يشبه من لم ينم لليالٍ، مَن لم يصدق أن ابنه الذي كان يطعمه ويداويه، عاد له هذه المرة في كفن.
في مرصفا، تحوّلت أيام متفرجة في انتظار قدوم عيد الأضحى المبارك إلى مأتم، كانت البداية كما يروي الأب لـ«المصرى اليوم»: «قالولي ابنك أشرف بيتخانق بره، خرجت أجري برجلي اللي فيها عجز، لقيت عمرو ابن الجيران ماسكه من هدومه ومهبدله».
الأب حاول احتواء الموقف، سحب ابنه الجريح إلى البيت، لكن المشهد لم ينتهِ.. دقائق معدودة، وكان الابن الثاني «سمير»، عائدًا من القاهرة، حيث يعمل في توزيع الألبان، ليجد أخاه مضروبًا وملطخًا بالدم.
«قاله تعالى نروح سوا نشوف ابن الناس اللى ضربك، لو ليهم حق ياخدوه، ولو لينا حق ناخده»، هكذا قرر «سمير» أن يُحلّ الأمر بالعقل، لكنه لم يعلم أن العتاب قد يُقابل بالسلاح.
لم يكن في نيتهم القتال، يقول «أحمد»، الأخ الثالث الذي رافقهم في تلك اللحظات القاتلة: «لو كنا طالعين لمشكلة كنا على الأقل مسلحين نفسنا، إحنا طالعين نعاتب».
والد ضحية مرصفا يروي تفاصيل مقتل ابنه
لكن الجيران لم ينتظروا كثيرًا.. «خرجوا علينا بالبلط والسكاكين»، وتلقّى «سمير» ضربة في ظهره، وطعنة في رأسه من بلطة، فسقط غارقًا في دمه، فيما تلقى «أحمد» 3 طعنات قرب صدره وجنبه الأيمن وظهره، وفق الأب المكلوم.
«محدش فينا كان ناوي يمد إيده»، يقول «أحمد» وهو يرقد على سريره يتلقى العلاج، «إحنا طالعين نعاتب على كرامتنا، مش نضرب حد».
في البيت، جلس الأب محمد السيد أمام جدار عليه صور أولاده الـ3، لم يكن له دخل أو معاش: «أنا عملت عملية وبترت رجلي الاتنين، وسمير هو اللي بيصرف عليا، كنت بستناه آخر الليل عشان ييجي من شغله ويفطر معايا».
«سمير»، بحسب رواية والده، لم يكن يخطط للانتقام، كل ما فعله أنه رأى أخاه مهانًا، وقرر أن يذهب معه «يعاتب الجيران»، لكنهم خرجوا عليهم بالسلاح، ليقلبوا لحظة العتاب إلى جنازة.
مشاجرة بسبب معاكسة تتحول إلى جريمة قتل
الأب يصف «عمرو» – الجار المتهم الأول – بأنه هو من بدأ الشر، «لما عاكس بنت أخويا، وإحنا في الريف دي مصيبة، مينفعش»، إذ بدأت المشكلة بمعاكسة، تحولت إلى خناقة، وانتهت بدم على الأرض.
«اللي قتل ابني هما عمرو وأخوه عمر، وأبوهم محمد، والأب هو اللي كان مسك البلطة وضربه بيها»، يقول الأب الذي رغم حزنه، لا يتوقف عن شكر الشرطة التي ألقت القبض على المتهمين بعد هروبهم إلى محافظة البحيرة.
في منزل بسيط تفوح منه رائحة اللبن والعرق والدموع، ما تزال الأم تجلس بجوار قميص ابنها الملطخ، تصمت، وتنتظر.
بعد خروجه من المستشفى، كان يرقد «أحمد» تحت مروحة تصدر صوتًا حادًا، والضمادات تغطي نصف جسده. «كنت حاسس إني هموت»، يقول بصوت خافت، ثم ينظر إلى السقف وكأنه يبحث عن لحظة فقدها في العتمة: «مش قادر أنسى منظر أخويا وهو واقع جنبي.. ساكت.. لا بيكلم ولا بيتنفس».
القرية ما زالت تهمس بما جرى.. في المخبز، على المقاهي، عند محطة السرفيس، الكل يتحدث عن «سمير» الذي «ما كانش بيحب المشاكل»، وعن والد «عمرو»، الذي خرج على الشارع حاملًا بلطة وكأنها امتداد لغضبه.
الأب في حالة حزن على رحيل ابنه- تصوير: محمد القماش
بلط وسكاكين في مشاجرة مرصفا بالقليوبية
«البيت اللي جوه فيه عزاء.. والبيت اللي جنبه فيه جناة»، تقول إحدى الجارات وهي تسحب طفلتها من أمام باب الجيران المغلق، «هو إحنا هنأمن على عيالنا بعد كده؟ ده الولد كان طالع يرد كرامة أخوه، ماكانش طالع يعمل خناقة».
محمد السيد، الأب الذي خسر ساقيه من قبل، يقول إن ما تبقّى من جسده بات لا يقوى على شيء: «أنا مشيت على عكاكيز عشان ألحّق ابني، وما عرفتش»، ثم يخرج من جيبه صورة لـ«فلذة كبدة» الضحية، وهو يرتدي تيتشرت وبنطلون ويبتسم قبل انطلاق رحلته إلى القاهرة لتوزيع الألبان: «كان بيقولّي هاعيشك مرتاح.. وأنا اللي عشت أشوفه مقتول».
في جنازة «سمير»، التي خرجت مع شروق الشمس، مشى أهل القرية صامتين، لا هتاف، ولا غضب، فقط وجوه مجروحة، الأطفال وقفوا من الشرفات، والنساء رفعن الأدعية، والرجال حملوا النعش بأيدٍ مرتجفة، وفي تلك اللحظة، يروي أحد الجيران أن «أم سمير» صرخت لأول مرة: «أنا مش هسكت.. ابني اتدبح ومالوش ذنب».
«فيه بنات ماشية في الشارع.. مينفعش حد يعاكسها وتعدي كده»، يقول أحد شباب القرية، «واللي حصل ده مش خناقة شباب.. ده كمين، طالعين مستنيينهم بأسلحة».
«عايز حقي بس، مش أكتر»، يقول محمد السيد، وينظر إلى سرير «سمير» الخالي، بجواره قطعة جبنة بلدي لم تُفتح، وعلب دواء لمرض السُكرى لم تستخدم «كان محضرهم لى».