ترجمات | في الذكرى السادسة والسبعين لوفاتها.. الروائية النرويجية الحائزة على جائزة نوبل “سيجريد أوندست” وروايتها “إكليل العروس”

«سيجريد أوندست» من أهم الروائيات الإسكندنافيات وأكثرهنّ عمقًا وتأثيرًا. ومن أبرز الشخصيات بين أدباء أوائل القرن العشرين. عرفت أوندست بكتاباتها عن نمط الحياة فى الدول الإسكندنافية خلال العصور الوسطى، وكانت بداية انطلاقتها الروائية تتركز حول مشاكل النساء اللواتى يعشن فى المدن. اشتهرت سيجريد أوندست النرويجية بثلاثيتها «كريستين لافرانسداتر»، والتى تعتبر تحفة فنية من الأدب النرويجى، وحصلت على جائزة نوبل فى الأدب فى عام ١٩٢٨، ورحلت عن دنيانا فى ١٠ يونيو عام ١٩٤٩.
بحفل تسلمها جائزة نوبل فى الأدب فى ١٠ ديسمبر١٩٢٨، قال (بير هالستروم)، رئيس لجنة نوبل فى الأكاديمية السويدية، كلمة مما جاء فيها: «بخيالٍ نابضٍ بالحياة، عاشت سيجريد أوندست حياة هؤلاء النساء؛ صوّرتهنّ بتعاطفٍ لكن بصدقٍ لا يرحم. صوّرتُ مأساة حياتهنّ دون تجميلٍ أو تضخيمٍ لها؛ وصوّرتُ تطوّر مصائرهنّ بمنطقٍ لا هوادة فيه، والذى ضمن إدانةً لبطلاتها وللعالم الذى يعشن فيه».
غلاف الكتاب
لقد عاشت «سيجريد أوندست» منذ طفولتها فى جو من الأساطير التاريخية والفولكلور، حيث ولدت فى بلدة كالوندبورج الصغيرة بالدنمارك، ١٨٨١، كان والدها عالم الآثار النرويجى إنجفالد مارتن أوندست (١٨٥٣-١٨٩٣). كانت أوندست الأكبر بين ثلاث بنات. انتقلت مع عائلتها إلى النرويج ١٨٨٤. ونشأت فى العاصمة النرويجية أوسلو (أو كريستيانيا، كما كانت تُعرف حتى عام ١٩٢٥)، وتوفى والدها عن عمر يناهز الـ ٤٠ عامًا بعد مرض طويل.
فى سن الخامسة والعشرين، بدأت أوندست مسيرتها الأدبية برواية قصيرة واقعية عن الزنا، تدور أحداثها على خلفية معاصرة. أثارت هذه الرواية ضجة، ووجدت نفسها تُصنّف ككاتبة شابة واعدة فى النرويج. حتى عام ١٩١٩، نشرت أوندست عددًا من الروايات التى تدور أحداثها فى كريستيانيا المعاصرة فى الفترة ١٩٠٧-١٩١٨ حول المدينة وسكانها، قصص عن العمال، ومصائر عائلية تافهة، وعلاقة الآباء بالأبناء. مواضيعها الرئيسية هى النساء وحبهن. أو كما وصفته هى نفسها – بأسلوبها المقتضب والساخر المعهود – «الحب غير الأخلاقى».
حازت على جائزة نوبل فى الأدب عام ١٩٢٨، ونشرت أول كتبها الخيالية التاريخية فى عام ١٩٠٧. انضمت إلى اتحاد المؤلفين النرويجى فى عام ١٩٠٧، وترأست مجلسه الأدبى من عام ١٩٣٣ حتى عام ١٩٣٥، ثم عملت فى نهاية المطاف رئيسة للاتحاد من عام ١٩٣٥ حتى عام ١٩٤٠. وعملت مع الحركة السرية النرويجية خلال الحرب العالمية الثانية، ثم هربت من النرويج إلى الولايات المتحدة فى عام ١٩٤٠ بسبب معارضتها لألمانيا النازية والغزو الألمانى للنرويج، لكنها عادت بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية فى عام ١٩٤٥. أشهر أعمالها هى «كريستين لافرانسداتر»، وهى ثلاثية تتناول الحياة فى النرويج فى العصور الوسطى، وتُصوّر من خلال تجارب امرأة منذ ولادتها وحتى وفاتها.
رواية «إكليل العروس» هى الجزء الأول من الثلاثية، نشرت لأول مرة فى عام ١٩٢٧. تصف قصة حب العاصفة بين كريستين شابة تنتمى عائلتها إلى طبقة أرستقراطية ريفية نرويجية مع إرليند نيكولاوسون الوسيم، وهو شاب ربما كان مولعًا بالنساء بشكل مفرط، وكان والدها ينتقده بشدة.. وبينما تروى قصة حياة كريستين، تتناول أوندست موضوع الحب من جوانب عديدة: حب الوالدين الشديد لأطفالهما؛ تجربة الوقوع فى الحب مع الرغبة الجسدية المصاحبة؛ الحب الزوجى الصادق على مدى الحياة؛ والقلوب التى تحطمت بفقدان أحد الأحباء. ومن الموضوعات الرئيسية الأخرى الخطيئة؛ فشخصيات الكتاب تحمل ثقل ضمير متفاوت؛ فبعضها يتحمل عبء الخطيئة باستخفاف، وبعضها الآخر يسحقه، وبعضها يقضى حياته فى التكفير عن خطاياه. قد يتأرجح القارئ بين المودة والشفقة والتعاطف والاشمئزاز تجاه الشخصيات التى نتعرف عليها فى الكتاب. تُثرى حبكة القصة بأوصاف المناظر الطبيعية النرويجية، والحياة الريفية، وأماكن السكن، والمدن، والملابس.
وحقيقة أن أوندست كتبت عن شخصيات خيالية من النرويج فى القرن الرابع عشر، لا يشكلان عائقًا أمام فهم هذه الرواية على الإطلاق. فى الواقع، إنها رواية مباشرة إلى حد ما، ويمكن لأى شخص مهتم بالنرويج فى العصور الوسطى فهمها.
لا تخلو الرواية من الأحداث، إذ نرى شقيقتها الصغرى تُصاب فى طفولتها وتُفارق الحياة فى ريعان شبابها، وهى تتعامل مع كهنة، بالإضافة إلى امرأة حكيمة محلية قد يتجاوز علاجها بالأعشاب حدود ما كان يُعتبر سحرًا. كريستين جميلة وليست فاضلة، ولا تحاول الرواية تبرير عدم مسؤوليتها والضرر الذى تُلحقه بسمعتها من خلال نهجها السطحى نوعًا ما فى الخطوبة والزواج. تُظهر الرواية أن والدها، رغم كونه رجلًا نبيلًا يستحق مصيرًا أفضل مما تلقاه، يتعرض للخيانة من زوجته وابنته بطرقٍ مُذهلة. الرواية واقعيةٌ بشكلٍ قاتم، وتُقدم قراءةً شيقةً للغاية، بل آسرة، حتى وإن لم تكن الأسهل أسلوبًا. تتناول «أوندست» أكثر من مجرد قصة فتاة جميلة وسخيفة تحاول الزواج من الرجل الذى تختاره وتُفسد علاقتها – فهذا النوع من المآسى ليس جديدًا ولا نادرًا. لكن اللافت للنظر هو الطريقة التى تُعالج بها الرواية المخاوف العميقة بشأن الشرعية السياسية والدينية، وإخفاقات النسوية، وقضايا الطبقة والأخلاق، والمشاكل الدائمة للمصالحة بين الناس والله، وبين الناس وبعضهم البعض. كما تُستكشف هنا بشكل هادف عبء الأسرار والأكاذيب المُفسد، وهشاشة السمعة، تُوضح الكاتبة أن روايتها تحمل فى طياتها جوانب كثيرة تستحق الاستكشاف، وعندما تتعثر الحبكة، هناك على الأقل بعض الاعتبارات الأخرى التى تجعلها رواية تستحق القراءة.