بحث أكاديمي: تأسيس جماعة الإخوان لجهازها السري والنظام الخاص منذ ثلاثينيات القرن الماضي

أعادت دراسة بحثية لنائب رئيس مجلس الدولة الحديث حول التأسيس التنظيمي لجماعة الإخوان المسلمين، وكيف إستطاعت بقيادة مؤسسها حسن البنا وضع هيكل تنظيمي بأجهزة مختلفة لتحقيق أهدافها بتطويع الأفكار الدينية لأغراضها الساسية.
وقال المستشار الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجي نائب رئيس مجلس الدولة في دراسته التي أعدها تزامنًا مع قيام ثورة 30 يونيو، تحت عنوان: (الإخوان.. بنية التنظيم والتمويل العابر للحدود والاختراق العالمي), أن البنية الفكرية والإسلام الشمولي والدولة الإسلامية هو أساس فكر الجماعة على مبدأ «شمولية الإسلام»، أي أن الإسلام ليس دينًا فحسب بل نظام حكم، واقتصاد، وثقافة، وحياة يومية. روج حسن البنا لفكرة أن الإسلام يُعالج شؤون الحياة كافة، مما أوجد تصورًا بأن إقامة «دولة إسلامية» هو واجب ديني. هذا الطرح كان اللبنة الأولى في دمج دعوة بالسياسة.
وعن البناء التنظيمي يقول الدكتور محمد خفاجى أن الجماعة أنشأت الجهاز السري والنظام الخاص ابتداء من أواخر الثلاثينيات، كتنظيمًا مسلحًا سرّيًا يُعرف بـ«النظام الخاص»، كانت مهمته تنفيذ العمليات النوعية، والاغتيالات، والتحريض ضد الوجود البريطاني والخصوم المحليين. وقد اتُّهم هذا الجهاز لاحقًا بتنفيذ عمليات تصفية جسدية لخصوم سياسيين، بما فيهم قضاة ووزراء، مثل القاضي أحمد الخزندار ورئيس الوزراء محمود النقراشي وتوالت ذات النهج ولم تغيره حتى في الألفية الجديدة باغتيال النائب العام المستشار هشام بركات .
المستشار محمد عبدالوهاب خفاجي – صورة أرشيفية
ويشير خفاجى إلى أن الجماعة بُنيت على فكر سياسي ديني مغلق، والرأى عندى أنه في هذه المرحلة نجد أن الجماعة لم تنشأ كمجرد حركة دينية دعوية، بل كتنظيم سياسي ذي طابع أيديولوجي واضح، يهدف للوصول إلى الحكم. واعتمدوا على الهيكل الحركي المغلق، وتبنت مبدأ «السمع والطاعة»، الذي حوّل الجماعة إلى كيان شبه عسكري يرتكز على الولاء للتنظيم أكثر من الولاء للأمة أو الوطن. ولا ريب أـن هذا النموذج التنظيمي أسس لفكرة أن «الغاية تبرر الوسيلة» ما دام الهدف في ظاهره هو «نُصرة الإسلام»، كما فُهِم داخل الجماعة.«
وأكدت الدراسة أن الجماعة انتهجت العنف كأداة للتغيير السياسي (1928–1954) والاغتيالات السياسية مثل الخزندار والنقراشي نموذجًا، حيث شهدت مصر خلال الأربعينيات سلسلة من الاغتيالات السياسية التي اتُّهم فيها النظام الخاص التابع لجماعة الإخوان وهو تنظيم مسلح سرّي. حيث اغتيل القاضي أحمد الخزندار عام 1948 بسبب أحكامه ضد أعضاء الجماعة، ثم اغتيل رئيس الوزراء محمود النقراشي في نفس العام بعد قراره بحل الجماعة. وقد اعتُبر هذا التحول إلى العنف الصريح تأكيدًا على تخلّي الجماعة عن العمل السلمي.
وكشفت الدراسة عن عنف وإرهاب هذه الجماعة بأيدلوجيات دينية فيقول الدكتور خفاجي: الجماعة استخدمت الجهاد كغطاء أيديولوجي للعنف، كما اعتمدت الجماعة منذ نشأتها على توظيف مفاهيم الجهاد بشكل سياسي. فالجهاد لم يكن أداة للدفاع، بل تحول إلى وسيلة للتغيير السياسي والعسكري. وقد أُعيد تفسيره ليبرر العمليات المسلحة ضد من يُعتبرون «خصوم الإسلام»، سواء كانوا سياسيين أو إداريين أو حتى رجال أمن. وقد تم التأسيس لهذا المفهوم من خلال أدبيات الجماعة، خصوصًا في رسائل حسن البنا وخُطب سيد قطب لاحقًا.«
وأشارت الدراسة إلى أن الجماعة اتخذت من فقه الضرورة وسلاح الفتوى مبرراً لــ «الدم» حيث اعتمدت على ما يُعرف بـ«فقه الضرورة» لتبرير العمليات المسلحة، حيث يتم تجاوز القواعد الشرعية لصالح مصلحة التنظيم. كما استخدمت الفتاوى الداخلية كأداة لتبرير الاغتيالات والتفجيرات، واعتُمدت تأويلات خاصة لنصوص قرآنية كآية «وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة»، في سياق الصراع السياسي، وليس الجهاد المشروع. هذا التوظيف سمح بإلباس العنف ثوبًا دينيًّا، ما مهّد لتحول خطير في مسار الحركات الإسلامية لاحقًا.«