لام شمسية ومنتهى الصلاحية.. خبراء يحسمون الجدل حول تأثير الدراما الواقعية على المجتمع

لطالما شكّلت الدراما أداة فاعلة في تشكيل وعي المجتمعات، إذ تؤدي دورًا مزدوجًا يجمع بين الترفيه والتأثير، وقد يبلغ أثرها حدّ تغيير سلوك الأفراد وتوجيههم.

وبينما تُقدَّم بعض الأعمال بدافع التوعية بقضايا شائكة كالإدمان أو التحرش أو العنف، فإن طريقة الطرح قد تقود أحيانًا إلى نتائج عكسية، فتنقلب الرسالة من تحذير إلى تطبيع، أو حتى ترويج غير مقصود.

جدل يلاحق «لام شمسية» و«منتهى الصلاحية»

في النصف الثاني من موسم دراما رمضان 2025، برز مسلسلا «لام شمسية» و«منتهى الصلاحية» ضمن الأعمال القصيرة ذات الـ15 حلقة، وأثارا نقاشًا واسعًا لتناولهما موضوعات اجتماعية حساسة ومثيرة للجدل.

مسلسل «لام شمسية»، تناول مشكلات أسرية محورية، أبرزها العلاقات الزوجية المضطربة، كما سلّط الضوء على قضية التحرش الجنسي بالأطفال، كاشفًا تداعيات الصمت والتكتم داخل الأسرة.

وتباينت الآراء حول المسلسل؛ فبينما اعتبره البعض خطوة جريئة لكسر التابوهات ورفع الوعي المجتمعي وأعرب آخرون عن قلقهم من طريقة التناول، مشيرين إلى أنها قد تثير فضول الأطفال والمراهقين تجاه مفاهيم حساسة، ما قد ينعكس سلبًا على وعيهم وسلوكهم.

أما مسلسل «منتهى الصلاحية»، ركّز على ظاهرة المراهنات الإلكترونية، من خلال قصة «صالح» الشاب الذي يدخل السجن ظلمًا، ثم يجد نفسه غارقًا في عالم المراهنات عقب خروجه، ضمن حبكة درامية مشوّقة.

ورغم نية صنّاع العمل تقديم المراهنات الإلكترونية كسلوك مدمّر يهدد الشباب، فإن تصوير هذا العالم بتفاصيله الدقيقة أثار انتقادات من بعض النقاد، الذين رأوا أن العمل قد يثير الفضول تجاه هذه التطبيقات، بدلًا من التنفير منها.

بين الترويج والدفاع عن الواقعية

وقال الناقد الفني حسين شمعة، في تصريح لـ«النبأ»، إن مسلسل «منتهي الصلاحية» تناول قصة شاب تم تلفيق تهمة له، فأودع السجن، مما أدى إلى انهيار حياته وخسارته لزوجته وأولاده، وبعد خروجه من السجن، لجأ إلى المراهنات الإلكترونية بحثًا عن مخرج من أزماته، باعتبارها وسيلة سهلة لتحقيق الربح السريع.

وأضاف شمعة: «المشكلة لا تكمن في عرض الأزمة، بل في طريقة تقديم الحل، إذ أن المسلسل قدّم المراهنات الإلكترونية كخيار ممكن لأي شخص أن يلجأ إليه، وهذا أمر في غاية الخطورة، هذه المراهنات كانت معروفة ضمن شريحة معينة من الشباب وبعض المشاهير، غير أن المسلسل قدّمها بطريقة جعلت الكثيرين يتعرفون إليها لأول مرة».

وأوضح: «أرى أن نحو 60٪ من الشعب المصري لم يكونوا على دراية بماهية المراهنات الإلكترونية، وبالتالي حين عُرضت بهذا الشكل، بدا الأمر وكأن العمل الدرامي يفتح أعين الناس على أمر لم يكن شائعًا إلى ذلك الحد».

أما فيما يتعلق بمسلسل «لام شمسية»، فأكد «شمعة» أن العمل أثار جدلًا واسعًا منذ بداية عرضه، خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، بين من أثنوا على جرأته في طرح قضية التحرش بالأطفال، ومن رأوا أن تقديمها في عمل درامي لم يكن مناسبًا.

وأضاف: «أرى أن طرح هذه القضية أمر مهم وغير مهم في الوقت ذاته، بمعنى أن الأهم هو إيصال الرسالة النهائية، وهي ضرورة أن يكون الطفل في بيئة تتيح له التواصل والثقة مع أسرته، ليتمكن من الإفصاح عن كل ما يتعرض له».

وتابع: «المخرج كريم الشناوي أصرّ على تقديم بعض المشاهد بالشكل الذي شاهدناه، وكان لذلك تأثير قوي».

وفي السياق ذاته، قال الناقد عماد يسري في تصريح خاص لـ«النبأ»، إن الدراما، سواء في السينما أو التلفزيون أو المسرح أو حتى عبر الرواية والقصة، مهمتها الأساسية أن تنقل جانبًا من واقع المجتمع، وتسجّل الظواهر التي تظهر فيه، حتى وإن لم تكن ظواهر كبيرة أو منتشرة، إلا أنها قد تكون مؤشرًا خطيرًا أو ناقوس خطر يستدعي التنبه إليه.

وتعليقًا على مسلسل لام شمسية، أوضح «يسري» أن هذا العمل لم يكن الأول في تناول قضية التحرش بشكل عام، فقد تم التطرق لها في السينما من قبل، لكن “لام شمسية” هو أول عمل درامي تلفزيوني في السنوات الأخيرة يناقش القضية بهذا القدر من التفصيل والعمق، مما يجعله مختلفًا ومميزًا في طرحه.

ونفى الناقد عماد يسري ما يُثار حول أن تناول هذه القضية في الدراما قد يروّج للسلوك المشين، مؤكدًا أن الشخص الذي يُفكّر في ارتكاب هذا الفعل بدافع التجربة، يكون لديه في الأصل استعداد نفسي لإيذاء الآخرين، وهذه ميول نفسية لا يُسببها أو يشجّعها عمل درامي، بل على العكس، فإن التوعية التي قدمها المسلسل كانت بالغة الأهمية.

أما عن مسلسل منتهي الصلاحية، قال «يسري»: «جميعنا نعلم أن القمار دائمًا نهايته الخسارة، والمراهنات تُعد أحد أشكاله، ومن يدخل هذا العالم يعلم تمامًا أنه قد يكسب مرة، لكنه في المقابل معرّض لخسارة فادحة قد تنهي مستقبله وتدمّر حياة أسرته».

وأضاف: «لا يوجد الآن من يُقدم على أمر كهذا دون أن يعرف مخاطره، فالأمر معروف ومتداول في الشارع وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، لذلك، أرى أن المسلسل لا يدفع أحدًا نحو هذا السلوك، بل الذين يقدمون عليه هم في الأصل مهيّئون لذلك».

سلاح ذو حدّين

من جانبها، قالت الدكتورة ابتسام مرسي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر، إن الأعمال الدرامية مثل لام شمسية ومنتهى الصلاحية لها تأثير واضح ومثبت علميًا على المجتمع، خصوصًا على الفئات العمرية الصغيرة.

وأضافت: «خلينا نكون واقعيين، العمل الدرامي له تأثير على المجتمع، وده مثبت من زمان في الأبحاث، لأنه من العوامل المؤثرة بقوة في التنشئة الاجتماعية، حتى لو مش هو العامل الأول، لكنه له دور كبير».

وعن مسلسل لام شمسية، قالت «مرسي»: «أنا شايفة إيجابياته أكتر من سلبياته، بعكس مسلسل منتهى الصلاحية اللي طريقة طرحه للمراهنات مثلت خطورة، لأنه قدم احتمالية الربح كأمر قائم، وده خلى فئة من الشباب تقول: ما أجرب!».

وأكدت في ختام تصريحها، أن مواجهة التأثير السلبي للدراما لا يجب أن يترك للدولة أو العمل الفني فقط، مضيفة: «لازم الأسرة، والمدرسة، والنادي، والمسجد، والكنيسة يكون ليهم دور بجانب الدراما، الدراما لوحدها مش كفاية، لأن الطفل لو اعتمد بس على اللي بيشوفه في المسلسلات، ممكن يبحث علشان يفهم في طرق غلط، وهنا تكمن الخطورة».

توعية أم دعاية غير مقصودة؟

وفي سياق متصل، يرى الدكتور جمال فرويز، أستاذ الطب النفسي، أن عرض مسلسلات تتناول قضايا مثل التحرش أو المراهنات، كما في مسلسلي «لام شمسية» و«منتهي الصلاحية»، قد يُثير استياء البعض، لكنه أمر ضروري لمواجهة واقع مؤلم لا يصح تجاهله.

وأضاف -في تصريحات خاصة لـ«النبأ»- أنه كانت تأتيه حالات بسبب المراهنات منذ خمس أو ست سنوات، لم يكن أحد يلتفت إليها، ولكن بعد تناولها في مسلسل، بدأ الوعي يزيد، معقبا: «نعم، قد يكون فيها دعاية غير مقصودة، لكن لا ألوم المسلسل، لأن الأشخاص المضطربين هم من يبحثون عن هذه السلوكيات، وهم فئة قليلة».

وأكد أن تقليد هذه المشاهد لا يحدث إلا من قبل أشخاص يعانون من اضطرابات، وهؤلاء عادةً ما يسعون للظهور ويحبون لفت الانتباه، وهذه شخصيات هستيرية نسبتهم قليلة وليست كبيرة، لكن تسليط الضوء على هذه القضايا في الدراما يساعد على التوعية، ويقلل من انتشارها في الواقع.