كيف تحبط مصر مخطط «ترامب» للحصول على امتيازات في قناة السويس؟

مصادر رسمية: لا بد من سداد رسوم عبور كل السفن التى تمر من قناة السويس العسكرية والتجاريةنائب مركز الأهرام للدراسات السياسية: مصر لها السيادة الكاملة على قناة السويس وتنظيم مرور السفنالدكتور عمرو هاشم: تصريح «ترامب» يعبر عن البلطجة السياسية العالمية والعنجهية السفير رؤوف سعد: «ترامب» واضح فى أسلوبه ويقوم على أساس أنه رجل صفقات بدرجة رئيس دولةمساعد وزير الخارجية الأسبق: رسوم المرور في قناة السويس لا تمثل للولايات المتحدة أي عبء حقيقي«هاشم»: حديث ترامب عن أفضال أمريكا على قناة السويس ينم عن جهل«سعد»: مصر لا تريد صدامًا مع أمريكا ولذلك ردودها على «ترامب» تكون حكيمة
«يجب السماح للسفن الأمريكية العسكرية والتجارية بالمرور مجانًا عبر قناتي السويس وبنما، هاتان القناتان ما كانتا لتوجدا لولا الولايات المتحدة الأمريكية»، على عادته أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ذلك التصريح -26 أبريل الماضي- متجاوزًا حدود صلاحياته والأعراف والقوانين الدولية، ومحتكًا للمرة الثانية بمصر على غرار تصريحاته عن تهجير الفلسطينيين إليها.
أثار تصريح «ترامب» ذلك غضب وسخرية المصريين في آن واحد، كما آثار تساؤلات عدة بشأنه، فهل يمثل ذلك التصريح تهديدًا لمصر أم أنه مجرد كلام مرسل؟، وهل هناك قوانين دولية تسمح بذلك؟، وكيف ستواجه مصر تلك التصريحات؟.
مصر صاحبة السيادة
مصر لها السيادة الكاملة على قناة السويس وتنظيم مرور السفن خلالها، وفرض ما تراه مناسبًا من الرسوم، وتعدي أي دولة على تلك الحقوق بإجراءات انفرادية فهو مخالف للقانون الدولي تمامًا، حسبما يوكد الدكتور عمرو هاشم ربيع، نائب مدير مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية في حديثه مع «النبأ الوطني».
ويصف «هاشم» تصريح «ترامب» بأنه يعبر عن درجة من درجات البلطجة السياسية العالمية والعنجهية واتخاذ القرارات بشكل فوضوي، بمعنى أنه لم يتشاور مع أحد، وهذا كان السمت الخاص بقراراته جميعها، يتخذ القرارات ويتراجع عنها قبل أن يجف حبرها حتى، فنحن نتعامل مع تاجر، و«تاجر خايب كمان ليس شاطر» وكل ما يهمه الاستحواز على موارد ومُقدرات الآخرين مستندًا إلى بلطجته وقوته، وبالتالي فإن حديثه ذلك من شأنه هدم النظام الدولي، الذي أُنشأت عليه الأمم المتحدة عقب الحرب العالمية الثانية عام 1945 -حسب وصفه-
تصريح الرئيس الأمريكي بشأن رسوم المرور بقناة السويس، ينم عن جهل كبير، لاسيَّما عندما ردَّد أن أمريكا لها أفضال على قناة السويس، كيف ذلك ومن دشَّن القناة الفرنسيين وحفرها المصريون وكان الامتياز للشركة وكان معظمه مال مصري من الخديوي إسماعيل بدعم فرنسي، حتى الولايات المتحدة حينها لم تكن دولة عظمى وكانت دولة ضعيفة جدًا سنة 1869 عند افتتاح القناة، وفقًا للدكتور عمرو هاشم.
«ترامب» رجل الصفقات
الرئيس الأمريكي واضح في أسلوبه ويقوم على أساس أنه رجل صفقات بدرجة رئيس دولة، يعتمد على ما يسمى العلاج بالصدمة، فإنه يسعى إلى إحكام سيطرة الولايات المتحدة ويؤكد نفوذها في كل مكان في العالم وفي كل شيء في هذا العالم، وبالتالي فهو لا يتوقف عن الضغوط وفي الوقت ذاته لا يتوقف عن التراجع، حسبما قال مساعد وزير الخارجية الأسبق السفير رؤوف سعد في حديثه مع «النبأ الوطني».
ويضيف، أنه بالنسبة لتصريحات «ترامب» الخاصة بقناة السويس، فإنه دخل في تجربة من قبل مع مصر خلال تصريحاته بشأن التهجير، وعلم أن مصر دولة عصية وليست تلك الدولة محدودة النفوذ وقفت موقفًا صارما وحاسما ولا مكان للمساومة به، ما جعله يتراجع عن تصريحاته.
ويشير الدكتور عمرو هاشم، إلى أن أحد القوانين التي تعمل بها قناة السويس يتحدث عن عدم التمييز بين الدول في مسألة مرور السفن، وهذا شيء إيجابي، فعلى أي أساس سيتم تمييز أمريكا، معقبا: «حديثه عن الأساطيل العسكرية التي تمر من القناة للبحر الأمر، فهي تعمل لحساب بلاده ومصر لم تطلب من أمريكا أو أي دولة فتح قناة السويس أو حتى محاربة الحوثي، وأن بلاده من تحارب».
استياء رسمي
مصادر رسمية، أعربت عن استيائها من تصريحات «ترامب»، ووصفتها بـ«الهمجية»، مؤكدة أن مصر وحدها صاحبة السيادة على قناة السويس، الممر الملاحي الدولي المصري والمسموح خلاله بمرور أي سفينة أيا كان العلم الذى ترفعه وأيا كانت جنسيتها، وهو ما تفعله مصر.
مصر من حقها أيضًا، منع مرور أى سفينة إذا كان مرورها غير برىء كالذى يؤثر على المجال البيئى أو المناخى أو التلوث الكيميائى وغيرها، حسبما أكدت المصادر الرسمية.
وفي ردٍ صريح على حديث الرئيس الأمريكي، شددت المصادر على أنه لا بد من سداد رسوم عبور كل السفن التى تمر من قناة السويس، أيا كانت السفينة حربية أو تجارية، وذلك لاعتبارات رسوم الإرشاد والأعمال البحرية وغيرها، ووفقا للقوانين البحرية الدولية المتعارف عليها لكل دولة بها ممر مائى، وأنه لا يسمح لأحد بالتحدث فى هذا الشأن سوى الجانب المصرى فقط الذى وحده من يحدد رسوم العبور سواء خفضها أو زيادتها أو إعفائها فى حالات معينة.
ترامب تلقى الرسالة بعلم الوصول، وهي أن السفن الوحيدة التي تمر من قناة السويس دون رسوم هي السفن المصرية وحسب، وفي هذا رد واضح وحاسم وقطع للطريق ووقف للمناقشة حتى يقلع عن تلك المحاولات ويركز في إحلال السلام في غزة بين الإسرائليين والفلسطينيين كما وعد، حسبما وصف مساعد وزير الخارجية الأسبق رؤوف سعد.

أعباء اقتصادية وعسكرية
أعباءً اقتصادية وأخرى عسكرية ربما تواجهها مصر بسبب رفضها تصريحات الرئيس الأمريكي، فمن الممكن أن يهدد بقطع المساعدات سواء عسكرية أو اقتصادية، ولكن هذا لن يُمثل تهديدًا لمصر بأي شكل من الأشكال ومصر قادرة على تحمُل الأعباء، وفيما يتعلق بقطع المساعدات العسكرية، فلن تمثل أزمة بالنسبة لمصر خصوصًا وأن الدولة تنوع مصادر حصولها على الأسلحة منذ فترة بعيدة بين الصين وروسيا وألمانيا وكوريا الجنوبية وفرنسا، وفقًا لما قاله نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية الدكتور عمرو هاشم.
ويضيف، أنه بالنسبة للأعباء الاقتصادية، في حال التهديد بقطع المساعدات فمصر تحملت أكثر من ذلك بكثير أثناء كورونا وحرب غزة والحرب الأوكرانية الروسية، فقناة السويس خسرت حينها 9 مليارات دولار، ونحن لسنا بحاجة إلى المليار دولار التي تمنحها وليست هي من ستسقط مصر، في النهاية لا يستطيع «ترامب» خسارة مصر كدولة داعمة للكثير من السياسات الأمريكية.
أهداف خفية
رسوم المرور في قناة السويس لا تمثل للولايات المتحدة أي عبء حقيقي، وهذا الأمر يلفت الانتباه إلى أن أولويات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ليست بالضرورة -عكس ما يظنه الكثيرون- في أنها أمن إسرائيل، ولكن الأولوية الأولى لأمريكا بالمنطقة هي قناة السويس، لأن ربع التجارة العالمية الخاصة بها تمر من القناة، وبالتالي فهي تعطي منفذ إلى إفريقيا وآسيا وأوروبا ودول الخليج، وعليه لا يمكن أخذ تصريحاته ببساطة، لأنه يطالب بإلغاء الرسوم ولكنه مدخل جديد لعله يحصل على ميزة ما ذات أهمية فيما يتعلق بالمرور بقناة السويس وليست بالضروة أن تمثل كسبًا ماديًا ربما يكون معنويًا، من وجهة نظر السفير رؤوف سعد.
غير قانوني
البعض تساءل عما إذا كانت هناك قوانين دولية تسمح بما يطلبه «ترامب» من إعفاء للسفن الأمريكية من رسوم المرور بقناة السويس.
ويقول الدكتور عمرو هاشم، إنه لا يوجد قانون دولي يسمح بما يطلبه ترامب، لا في قانون البحار ولا في اتفاقات القتوات مثل اتفاقية القسطنطينية الخاصة بقناة السويس والتي تمت عام 1888، بل على العكس تنص على عدم مرور سفن أي دولة معادية لمصر، وخلاف ذلك كل الدول تدفع رسوم مرور واحدة، عدا سفن قوات البحرية المصرية، حسبما يوضح نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية.
واتفقا «هاشم» و«سعد»، على أن ترامب سيتراجع عن تصريحاته، وهذه سياسته وديدنه منذ فترة رئاسته الأولى عندما تحدث عن الناتو العربي وصفقة القرن وغيرها -حسب وصفهما-
دون صدام
الفكر الذي يغلب على مصر، في مواجهة تلك التصريحات وما على شاكلتها، يتمثل في أنها لا تسعى إلى الصدمات، خصوصًا وأنها أمام جهد ضخم ينتظرها لإصلاح الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وبناء الداخل، وبالتالي نحن نتعامل مع كل هذه الصدمات بصبر وبحكمة وضبط النفس، حسبما يؤكد «سعد».
ويُضيف، مساعد وزير الخارجية الأسبق، أن علاقتنا قوية جدًا واستراتيجية مع الولايات المتحدة ولا يجب أن نُضحي بها في سبيل رئيس مازال العالم كله يعاني منه، وعليه لا بد أن نعلو فوق الأفكار الشعبوية والسعي إلى الصدام، إذا كانت مصر تجاوزت مسألة الصدام مع إسرائيل فلن نستطيع تجاوزه مع أمريكا، ورد مصر على أمريكا في تلك المسألة حاسم ولا تستطيعه كثير من الدول، وهذا فيه الكفاية فالسياسية ليست بالملاكمة ولكن بالحكمة السياسية.