الدكتور محمود زايد يكتب: كثيرًا ما دقَّت الطبول على الأذهان

عندما قطعت بغداد حقوقَ إقليم كردستان في الميزانية الاتحادية عام 2014م وحاربت الكرد في أرزاقهم، توقعت وقتها أن الأمر لا يعدو مجرد حدث عارض لن يطول أمده لأكثر من شهر أو شهرين على الأكثر، وسريعًا تعود المياه إلى مجاريها؛ فمَن على سدة الحكم المفترض أنهم وصلوا إليه لتصحيح عقود من الظلم والحرمان وسياسات الإفناء التي اتبعها نظام صدام حسين البائد ومن سبقوه، ومسؤولو بغداد بعد 2003م هم من سبق وتوافقوا مع الكرد لتنسيق آليات وتحركات مجابهة نظام صدام لإسقاطه وإنقاذ العراق من طغيانه.
وبعدما سقوط النظام لم يلجأ الكرد إلى تحقيق طموح شعبهم التاريخي المشروع بالدولة المستقلة مع أن الفرصة كانت مواتية وسانحة؛ بل ذهب قادتهم إلى بغداد وضعوا أيديهم في أيدي بقية مكونات العراق لبناء دولة جديدة تتساوي فيها الحقوق والواجبات، ويتمتع مواطنوها بثروات العراق وخيراته من خلال حكم ديموقراطي تشاركي رشيد تحت مظلة دستور جامع.
لكن بيّنت تطورات الأحداث أن هناك فواعل أخرى داخل العراق وخارجه تمسك بخيوط اللعبة، وتعبث به ليبقى في عراك دائم، وخلافات لا تنتهي، وحزازيات تتسع هويتها يومًا بعد يوم على المستوى الشعبي بعدما كنا نراها فقط بين أنظمة حاكمة.
هناك من يرى مصلحته في أن تتجاوز ولاءات العراقيين إلى خارج الحدود بين الشرق تارة وبين الغرب أخرى، أو بين هؤلاء وهؤلاء؛ حتى يبقى العراق مضطربًا مستباحًا ومستنزفًا للمتنفذين إقليميًّا ودوليًّا، ولأدواته الداخلية الفاعلة التي هي بمثابة أذرع للأطماع الخارجية، ويبقى الشعب هو المتضرر الأكبر في ذلك رغم الفتات الذي يُلقى إليه في شكل رواتب لا تسمن ولا تغني من جوع.
وحتى هذا الفتات (الرواتب) استكثره هؤلاء على موظفي إقليم كردستان، ولأكثر من عشر سنوات يستخدمونه سلاحًا ضد العوائل الكردية، ويحرمونها منه بحجج واهية، وأسباب ليس لها مرجعية قانونية ولا إجرائية، وإنما لأهواء سياسية طائفية مذهبية مغرضة، في ظل تناقضات عجيبة، فمن أين ينددون وينكرون سياسة الحصار والتجويع التي تقوم بها إسرائيل ضد غزة وهم في الوقت نفسه يقطعون رواتب موظفي إقليم كردستان؟! ومن أين يذهبون إلى الحج ويبدون في عباءة التعبد والخشوع وهم يحرمون أطفال الكرد وعوائلهم من بهجة الاستمتاع بعيد الأضحى المبارك؟!
التاريخ يقول: إنه ما من حكومة أو نظام سعى إلى التحكم السلبي في أرزاق مواطنيه إلا وكان سقوطه حتميًّا وقريبًا.
هكذا على مر الأزمان تثبت الأحداث ولا يزال هناك من لا يستفيد منها ولا ينظر إلا تحت قدميه.
فالكرد لن يستسلموا، ولن يتهاونوا في حقوقهم المشروعة، وستبقى رايتهم النضالية مرفوعة وفق الأطر القانونية والدستورية.
والكرد لن يموتوا؛ فقد مروا بأشد وأقسى من ذلك عقودًا وسنوات ضحوا فيها بالغالي والنفيس، لكن بالنهاية سقط واندحر من حاربهم واعتدى على حقوقهم، وبقوا هم ورايتهم ترفرف في عنان السماء.
وهذا ترجمة للمثل المصري الذي يقول: «ياما دقت على الراس طبول».