«الشوباشي» يكشف عن مفاجأة كبيرة ويعلن عن «القاعدة الأساسية» للحرية من التخلف والانتكاس الفكري

وجه المفكر والكاتب الصحفي الدكتور شريف الشوباشي رسالة إلى من أسماهم «أهل النفاق والغش والخداع»، للخروج من الردة الفكرية والمحنة الثقافية التي يعيشها العرب والمسلمون منذ أكثر من نصف قرن.
وأكد الشوباشي، في بث مباشر على صفحته على فيس بوك، أن الأحكام والحدود الموجودة بشكل واضح وصريح في القرأن الكريم والسنة النبوية لا تصلح لكل زمان ومكان، مدللا على ذلك بعدم تطبيق هذه الحدود والأحكام في الغالبية الساحقة من الدول الإسلامية بعلم الشيوخ وعلماء الدين في هذه الدول، وبالتالي يجب تطبيق البعد الزمني، الذي سماه «القاعدة الذهبية» على كل الأحكام الأخرى الموجودة في القرآن والسنة لأنها غير صالحة لكل زمان ومكان، وأنها لا تصلح سوى للزمن التي نزلت فيه.
وأكد الشوباشي أنه من خلال هذا الحديث سوف يجيب عن السؤال الجوهري والتاريخي والمصيري: لماذا تخلف العرب والمسلمون وتقدم غيرهم؟
كما تساءل: هل نحن متمسكون بكل حرف جاء في القرأن الكريم وكل كلمة جاءت في السنة المحمدية؟
وقال الشوباشي، أن هناك أحكام وحدود منصوص عليها في القرآن والسنة بكل وضوح، لا لبس ولا اجتهاد فيها، مثل، حدود السرقة والزنا والحرابة وشرب الخمر، ولكن هذه الحدود لا تطبق على أرض الواقع، لا في مصر ولا في الغالبية الساحقة من الدول الإسلامية، مشيرا إلى أن هناك 56 دولة إسلامية، لا تطبق هذه الحدود سوى ثلاثة دول فقط هي، السعودية وإيران وأفغانستان، مشيرا إلى أن الشيوخ في هذه الدول يعلمون ذلك ومطنشين وعاملين ود من طين وودن من عجين.
وأردف الشوباشي، أن هناك إجماع من الدول الإسلامية على تعطيل هذه الحدود والأحكام الواضحة والتي لا تقبل التأويل أو التفسير، لأنها غير مناسبة للعصرالذي نعيشه، وبالتالي لا نستطيع أن نتهم حكام وشعوب هذه الدول بالكفر.
ولفت، أن الحل للخروج من الردة الفكرية التي نعيشها يكمن في تطبيق القاعدة الذهبية التي لا نعمل بها والمتمثلة في «البعد الزمني»، مشيرا إلى أن القرأن نزل على أهل الجزيرة العربية في زمن ما، والقرأن صالح لكل زمان ومكان، ولكن الصالح هو القيم والمبادئ والمثل العليا التي لا نعمل بها الأن، بل أننا نعمل عكسها، قائلا« نحن نتمسك بالأحكام والحدود، ولكننا لا نمارس قيم الإسلام العظيمة ونعمل عكسها، الأحكام خاصة بالزمن التي نزلت فيه، وبالتالي هي لا تصلح لكل زمان ومكان، والدليل أن الغالبية الساحقة من الدول الإسلامية لا تطبق بعض الأحكام والحدود الواضحة، لأن هذه الأحكام غير مناسبة للعصر».
تاريخية النص القرآني
الحقيقة أن الدكتور شريف الشوباشي يعيد تفجير قضية ما يسمى بـ«تاريخية النص القرأني»، وهي قضية خلافية بين العلماء والمفكرين.
والفترة الماضية تحدث بعض المحسوبين على التيار التنويري أو العلماني مثل الدكتور خالد منتصر، والكاتب الصحفي إسماعيل حسني، والكاتبة الصحفية سحر الجعارة، عن «تاريخية النص القرأني»، وضربوا الكثير من الأمثلة على ذلك منها، تعطيل حد السرقة في عهد عمر بن الخطاب، وكذلك إلغاء سهم المؤلفة قلوبهم في عهد عمر بن الخطاب، وكذلك إلغاء الرق والعبودية وملك اليمين في العصر الحديث، رغم وجود آيات قرأنية صريحة تؤكد على هذه الأحكام.
وتركز نظريّة تاريخيّة النصّ الدينيّ على أنّ النصوص جميعًا وخاصّةً النصّ الدينيّ تشكَّل وتولَّد في “الواقع والثقافة”، وليس ظاهرةً مفارقةً للواقع التاريخيّ والاجتماعيّ، فالنصّ “منتَجٌ ثقافيٌّ” وليد بيئته الحاضنة له.
تعتمد نظريّة التاريخيّة على أسسٍ ومبادئ خاصّةٍ، كلّ هٰذه الأسباب تجعل النصّ الدينيّ أمرًا بشريًّا غير مقدّسٍ، ليس فوق التاريخ ولا فوق الزمان والمكان.
ويُعتبر المفكّر المصري نصر حامد أبو زيد، واحدًا من بين كبار الباحثين الذين تركّزت أبحاثهم العلميّة على مسألة تاريخيّة النصِّ القرآني ومراحل تطوّره المختلفة، وهو الأمر الذي تسبّب في محنته الشهيرة عام 1995م، عندما حُكم بالتفريق بينه وبين زوجته، وما استتبع ذلك من هجرته إلى هولندا حيث عمل هناك كأستاذٍ للدراسات الإسلاميّة بجامعة لايدن.
في كتابه “الإمام الشافعي وتأسيس الأيديولوجيا الوسطية”، يصف أبو زيد النصَّ القرآني بكونه النصَّ الذي يملك سيطرةً مطلقة في صناعة الثقافة الإسلاميّة قديمًا وحديثًا، ويؤكّد أبو زيد على ضرورة الانعتاق من تلك السلطة، فيقول “وقد آن أوان المراجعة والانتقال إلى مرحلة التحرّر، لا من سلطة النصوص وحدها، بل من كلِّ سلطة تعوق مسيرة الإنسان في عالمنا، علينا أن نقوم بهذا الآن وفورًا قبل أن يجرفنا الطوفان”.
ويرى أبو زيد أن أحد أكبر المشكلات التي تمثّل عائقًا أمام المسلمين، هي تلك المتمثّلة في وقوع حالةٍ من حالات التماهي بين الدين والتراث في عقول المسلمين، ويفسّر الباحث المصري تلك الحالة بتصوّر المسلمين الخاطئ للنصِّ القرآني، والذي يذهب إلى أن القرآن قد غُلِّفَ بالطابع المقدّس في كلِّ مراحله، رغم أن نظرةً واحدةً عابرة في الكتب المختصّة بدراسة أسباب النزول، من شأنها أن تكشف الطابع الزمني للنصِّ القرآني، وهو، بالمُجمل، طابع دنيوي، لكونه قد ناقش ظواهر وعوارض طارئةً تعرّض لها المجتمع الإسلامي في أوقاتٍ بعينها.
يقول نصر حامد أبو زيد في كتابه « مفهوم النصّ: دراسة في علوم القرآن، المركز الثقافي العربي، بيروت-لبنان، ط1، 1990، ص24»، «النصّ القرآني في حقيقته وجوهره منتج ثقافي؛ والمقصود بذلك أنَّه تشكّل في الواقع والثقافة خلال فترة تزيد على العشرين عامًا، وإذا كانت هذه الحقيقة تبدو بديهية ومتّفقًا عليها، فإنَّ الإيمان بوجود ميتافيزيقي سابق للنصّ يعود لكي يطمس هذه الحقيقة البديهية، ويعكِّر من ثَـمَّ إمكانية الفهم العلمي لظاهرة النصّ».
وخلصت دراسة حديثة بعنوان « تاريخية النصّ القرآني عند نصر حامد أبو زيد»، أعدها بقلم سعيد عبيدي، منشورة على موقع « مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث»، أنّ نصر حامد أبو زيد، في نقده للنصّ القرآني، إنّما يقوم بنقد الواقع، ونقد أصحاب التّيار الدّيني المتشدّد، الذين يعملون على تغييب هذا الواقع المعاش واللّحظة الرّاهنة، فالواقع «إذن هو الأصل، ولا سبيل لإهداره، فمن الواقع تكوّن النصّ، ومن لغته وثقافته صيغت مفاهيمه، ومن خلال حركته بفاعلية البشر تتجدّد دلالته، فالواقع أوّلًا، والواقع ثانيًا، والواقع أخيرًا، وإهدار الواقع لحساب نصّ جامد ثابت المعنى والّدلالة، يحوّل كليهما إلى أسطورة». وهو الأمر الذي جعل نصر حامد أبو زيد يلتفت إلى المعضلة التي وقع ويقع فيها الخطاب الدّيني بصفة عامّة، كونه ينطلق دائمًا من تصوّرات عقائدية عن طبيعة كلّ من الله والإنسان، والعلاقة التي ترتبط بينهما، ثم يفرض المعنى من خارج النصّ، وكأنّه يستنطق النّصوص بما لا تحمله من معانٍ.
وكذلك المفكّر السوري الطيب تيزيني، الذي يري أن النصَّ القرآني قد مرّ بمرحلتين متمايزتين في سبيل وصوله للمتلقّي، المرحلة الأولى، وفيها وقع إنزال الله للنصِّ القرآني جملةً واحدة إلى السماء الدنيا، بينما تنزّلت الآيات في المرحلة الثانية، مُنجمة، حسب الظروف والمستجدات التاريخيّة على مدار ثلاثة وعشرين عامًا، هي زمن الدعوة المحمديّة، بشقّيها المكّي والمدني.
من هنا، فأن تاريخيّة النص عند تيزيني قد تبدّت في ثلاثة مستويات، وهي تنزيل الآيات على الرسول، تلقّف الرسول لها، والصدع بها باتجاه البشر.
أما محمد أركون، فيقول بأن “الإسلام كبقية الأديان في الخضوع للتاريخية التي خضعت لها المسيحية؛ إذ إن الإسلام لا يختلف عن المسيحية في كونه يقع ضمن الإطار المعرفي للقرون الوسطى..”.
ويستطرد: “إنه نتاج الممارسة التاريخية للبشر، وبالتالي فهو يتطور ويتغير، إنه يخضع للتاريخية مثله مثل أي شيء على وجه الأرض، إنه ناتج عن الممارسة التاريخية لفاعلين اجتماعيين شديدي التنوع.. كما أنه ناتج عن فعل الشروط التاريخية التعقيد عبر الزمان والمكان.
ويقول محمد أبو حامد، لا يمكن لأحد أن يقرأ القرآن، إلا ويرى بصمات التاريخ، والحركة الاجتماعية فى بنيته، إذن نحن بحاجة لمعرفة السياق التاريخى العام “القرن السابع وما قبله”، والخاص “تاريخ الحجاز وتاريخ فترة النبوة”، من أجل أن نفهم، ومن أجل أن ندرك الحيوية، التى يتعامل بها الوحى مع الواقع.
علماء الدين يفندون مزاعم العلمانيين
كشف الدكتور محمد سالم أبوعاصي، أستاذ التفسير، عميد كلية الدراسات العليا السابق بجامعة الأزهر، سبب الجدل حول تاريخية النص القرآني.
وقال “أبوعاصي” خلال حديثه لبرنامج “أبواب القرآن” تقديم الإعلامي الدكتور محمد الباز، على قناتي “الحياة” و”إكسترا نيوز”، إن كلمة التاريخية لها مفهومان، الأول أنه نص جاء في زمن وانتهى وذهب زمنه، والمفهوم الثاني هو دراسة النص القرآني في الظرف الاجتماعي والتاريخي والحدث الذي نزل فيه.
ولفت إلى أنه عند البحث عن كثير من القضايا في ظرفها التاريخي، نتساءل هل قيلت باعتبارها أمرا تعبديا ولا باعتبارها أمرا اجتماعيا، فمثلا عندما قال النبي عليه الصلاة والسلام النساء ناقصات عقل ودين هل هذا حكم فطري جٍبلي أم قضية اجتماعية حصلت، فحكم في هذه القضية، وهل هي سنة كونية ولا سنة اجتماعية.
وتابع: “لو قصدنا بالتاريخية تفسير النص مع مراعاة الظروف والسياق الداخلي والخارجي والجو العام الذي كان ينزل فيه النص، فهذا مصطلح مقبول، ولكن إذا قلت التاريخية أن النص القرآني نص انتهى زمنه وذهب إلى الماضي ويوضع في المتحف والآن لسنا في حاجة إليه هذا غير مقبول، ولا أعتقد حتى عند الباحثين الحداثيين من يجرؤ أن يقول هذا”.
ويقول الأمين العام لمجمع البحوث الإسلامية السابق ومفتى مصر الحالي، دكتور نظير عياد، إن بعض المناهج الحدثية حسب زعمهم تمكن من الانفلات من قيود الماضي والخروج من قبضة التخلف واللتان طال أمدهما نتيجة التمسك بتلك المناهج القديمة التي أسهمت في التخلف العلمي، والتأخر الحضاري، وهو ما يحفز تحفيزًا إلى الأخذ بهذه المناهج الحدثية وإسقاطها على الوحي الإلهي وصولًا إلى التقدم المنشود والتحضر المزعوم تمامًا، كما حدث في الغرب الذي أسقط هذه المناهج على كتبه وتعامل معها دون أي ضوابط أو قيود.
أضاف، أنه من العجب أن هؤلاء وهم يطالبون بإعادة النظر في النص القرآني وإعادة قراءته قراءة عصرية يزعمون بذلك أنهم يخدمون كتاب الله، وعند التأمل فيما يدّعونه يتضح أنها دعوات باطلة من جنس دعوات سابقة القصد منها نزع القداسة عن القرآن والتشكيك في مصدره، ورفض مرجعيته، وإنكار دوره وتأثيره في الواقع، والعمل على الحيلولة بينه وبين إصلاح حال المسلمين.
أوضح عياد أن ما أورده ميثاق العسر ما هي إلا تخيلات ورؤى فكرية بالغة الغرابة ممعنة في التعسف وأدت إلى نتائج وهمية، ودعاوى باطلة حول وثاقة النص القرآني، وقد أسسها صاحبها على نظرية تاريخية النص الديني التي شاعت في الغرب، ودعت إلى التنصل من النص الديني ورفضه والخروج عليه بدعوى عدم ملاءمته للواقع.
ويقول الدكتور عبد الله سمك رئيس قسم الأديان والمذاهب بكلية الدعوة جامعة الأزهر إلى أن “هذا الكلام لا يصدر إلا عمن لا يدرك فهم النصوص القرآنية ومعرفة أسباب النزول وحكمة الله في التشريع. أو تصدر عن سوء قصد لأن أصحاب الهوى هم الذين يتلمسون أي وسيلة للإساءة للقرآن”.