السيد خيرالله يكتب: يا أمة استهزأت بها الأمم.. من تكونون؟

مع كل أزمة تقع، تجد مصر نفسها في مرمى الانتقادات والهجوم غير المبرر من أطراف كثيرة، بعضها يدعي الحرص على القضايا العربية، وأخرى تختبئ خلف شعارات زائفة.
وبينما تتصاعد الأصوات المحرضة، فإن مصر، بتاريخها ودورها المحوري، تجد من يصوب سهامه نحوها، متجاهلًا الحقائق الناصعة التي تثبت مواقفها الثابتة تجاه القضية الفلسطينية لعقود طويلة.
منذ عام 1948 وحتى يومنا هذا، ظلت مصر في طليعة المدافعين عن القضية الفلسطينية، لم تكن مجرد وسيط سياسي أو لاعب خارجي ينظر للقضية من منظور المصالح فقط، بل دفعت مصر الثمن غاليًا من دماء أبنائها وآلام شعبها على مر السنين
فى الثالث عشر من شهر مايو الماضى أعلنت تنسيقية العمل المشترك من أجل فلسطين فى تونس، ومن خلال مؤتمر صحفى عما أسمته (قافلة الصمود)، وفى التاسع من هذا الشهر أى منذ عدة أيام قلائل انطلقت القافلة من تونس العاصمة.
وأعلنت الجهة المنظمة أن الهدف هو كسر الحصار المفروض على قطاع غزة وإيصال المساعدات الإنسانية والمطالبة بفتح المعابر، وتعزيز الحراك الشعبى والدولى الرافض للحصار والاحتلال، والحقيقة أن كل تلك الأهداف الثورية المفاجئة مقدرة ومحترمة ومقبولة، لكن المقولة الرائعة للفيلسوف الفرنسى العظيم چان چاك روسو أن الثورة بغير قوة هى خيانة هى مقولة غاية فى التعقل.
أنا لا أريد التشكيك فى ظروف وتوقيت وطريقة الإعلان عن هذه القافلة، ولا الفرصة التى انتهزها بعض السياسيين والنقابيين فى تونس ودول المغرب العربى ركوب الموجة والمزايدة على مصر، لكن من المؤكد أن علامات استفهام كثيرة تثور وتدور حول هذه السرعة التى انطلقت فى عدة أيام واستطاعت حشد “نشطاء” من دول شتى، حصّل بعضهم على تأشيرات دخول لمصر عن طريق المطارات والبعض يشق الصحارى إلى المجهول، وكيف بكل تلك السرعة رتبوا وسائل الانتقال والإعاشة و(الصرف)، ولا حتى السؤال عمن يدعمهم ماليا ولوچيستيا ومن ورائهم، فلم نكن نعلم أن فى تونس جمعيات مدنية تملك ثروات ضخمة تؤهلهم للقيام بمثل هذا العمل (المكلف ) وبتلك السرعة الصاروخية !
هؤلاء الذين يساقون سوقًا إلى مصر ولماذا مصر ؟ فيمكنهم التوجه إلى الجولان السورى الذى احتلته إسرائيل منذ عام 1973، وتوسعوا مؤخرا فى ضم المزيد من المناطق الأخرى، كما يمكنهم التوجه إلى بيروت التى لا يزال جنوبها يضرب بالصواريخ حتى يومنا هذا، أو إلى الأردن وهو الأقرب جغرافيا وديموجرافيا، ويمكن أيضا عن طريق السواحل البحرية وهى الأسهل والأكثر مباشرة، ولكنهم لا يريدون كل هذا هم يريدون إحراج الدولة المصرية وإيقاع الفتنة فى مصر والتشكيك فى دورها العربى والقومى.
لكنى أستطيع القول إن الدولة المصرية والشعب المصرى لهما موقفًا موحدًا فى هذا الشأن، وهذا الشأن الغامض المريب لن يضعنا فى موقف دفاع عن النفس، لسبب بسيط هو أن مصر ليست فى حاجة للدفاع عن نفسها، بعد ما دخلت أربعة حروب حصدت زهرة شباب أبنائها منذ عام 1948، وحتى يومنا هذا مازالت هى التى تسند القضية الفلسطينية حتى لا تنهار وتصبح ذكرى، بينما أبناء القضية أنفسهم منقسمون متصارعون مختلفون، والعرب كل فى شأنه وأحواله الداخلية، وقدمت كما لم يقدم غيرها من تضحيات، وبالتالى وبكل بساطة لن يضعنا أحد فى موقف الدفاع مهما خرجت من قوافل مدبرة ومريبة.
الأخوة فى دول المغرب العربى منذ زمن طويل وهم بعيدون تماما عن قضايانا العربية، إلا من التشجيع أو النقد واللوم، وهم أحرار فى ذلك، بل هم أحرار فى المزايدة على من يريدون ولكن عند مصر وحدودها فليقف الجميع وليبتعدوا، ونريد أن نرى ماذا سيفعلون بغير مصر.
أما إذا كان الهدف إحراج الدول المصرية التى أنهك اقتصادها الأخوة ضيوف الدول العربية من اللاجئين لسنوات طوال، أو الضغط عليها بوسائل مختلفة من أجل استدراجها فهذا لن يحدث ولن يزايد أحد على مصر، والتى نحتت منذ سنوات طوال المثل القائل (ياما دقت على الرأس طبول) وهو يعنى كم مرت علينا من أزمات ومزايدات وخيانات، لكن ما نراه اليوم ليس بأزمة لكنه مسرحية هزلية مثيرة للضحك والسخرية، ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب.