“الزواج غير الرسمي” .. “قنبلة” تهدد استقرار الأسرة العراقية وتنزع حقوق المرأة.

“الزواج غير الرسمي” .. “قنبلة” تهدد استقرار الأسرة العراقية وتنزع حقوق المرأة.

وسط تصاعد القلق المجتمعي من ظاهرة تهدد الكيان الأسري وحقوق المرأة والطفل في العراق، يعود الزواج خارج المحكمة إلى الواجهة كأحد أخطر التحديات القانونية والاجتماعية التي تنخر جسد المجتمع بصمت.
فبين عقود دينية تُبرم في الخفاء، ونساء يُحرمن من حقوقهن وأطفال يولدون بلا هوية قانونية، تتكشّف آثار كارثية لعلاقات زوجية غير موثقة، تحوّلت بفعل ضعف الرقابة وغياب الوعي إلى “قنبلة اجتماعية موقوتة”.

ورغم محاولات القضاء العراقي على مدار سنوات طويلة ضبط الظاهرة بقرارات ملزمة، إلا أن ثغرات القانون والتقاليد العشائرية والضغوط الاقتصادية ما تزال تُبقي هذا الزواج خياراً سائداً في بعض المناطق.
وتُبرم غالبية عقود الزواج غير المسجلة رسمياً في العراق على يد رجال دين، وتُعرف شعبياً باسم “عقد زواج السيد” ، أو”عقد زواج الشيخ”، وذلك وفق ما ورد في دراسة بعنوان “ظاهرة عقد الزواج الخارجي في قانون الأحوال الشخصية العراقي”.
الزواج خارج المحكمة يهدد حقوق المرأة والأسرة
وتقول دعاء علي، المهتمة بشؤون المرأة، في حديث لـ “سبوتنيك”، إن “الزواج خارج الإطار القانوني الرسمي يمثل أحد أبرز التحديات التي تواجه الأسر في العراق، لما له من تأثيرات سلبية مباشرة على المرأة والأطفال والأسرة بشكل عام”.
وترى علي أن “العديد من المشاكل الأسرية التي تُحسم حالياً عبر وسائل التواصل أو التسويات العشائرية خارج المحكمة تؤثر سلباً على حياة العائلات”، مشيرة إلى أن “هذا النوع من الزواج يُضعف حقوق المرأة ويُعقّد حياة الأطفال، خصوصاً في قضايا مثل الاعتراف بالأبناء دخولهم إلى المدارس أو تلقي العلاج في المستشفيات”.
وتضيف أن “المرأة غالباً ما تكون الطرف الأضعف في هذه المعادلة، فهي الوحيدة المنتظرة في علاقة تفتقر للضمانات القانونية، حيث يُعقد الزواج الإسلامي لدى شيخ أو سيد، دون توثيقه رسمياً في المحكمة ما يعني أن الزوجة تُحرم من حقوقها القانونية في حال حدوث نزاع”.

وتشير دعاء علي إلى أن “الزواج الموثّق في المحكمة هو الضمانة الحقيقية لحفظ حقوق المرأة”، مضيفة أن “الزواج الإسلامي له قدسيته الدينية والاجتماعية، لكنه لا يكفل الحقوق القانونية للمرأة ما لم يتم تسجيله رسميًا”.
كما انتقدت ما وصفته بـ “الانتشار الواسع لحالات الزواج خارج المحكمة، بما في ذلك الزواج المبكر”، معتبرة أن هذه الظاهرة تؤدي إلى مزيد من الهشاشة القانونية والاجتماعية للعلاقات الأسرية، وتؤثر في استقرار المجتمع.
العديد من النساء أصبحن يعزفن عن الزواج بسبب غياب الضمانات القانونية، والكلام لدعاء، التي قالت أيضاً: “إذا لم تحصل المرأة على حقوقها الأساسية داخل العلاقة الزوجية، فما الفائدة من هذا الزواج؟ ما قيمة العلاقة إذا لم تُصَن كرامة المرأة وتحفظ حقوقها؟”.
وتختم علي حديثها بالتأكيد على أن “الزواج خارج المحكمة لا يجب أن يُعد خياراً طبيعياً أو بديلاً قانونياً، بل يجب العمل على رفع الوعي المجتمعي وتشجيع توثيق الزواج في المحكمة، لضمان العدالة وحماية جميع الأطراف، وبالأخص النساء والأطفال”.
“الزواج غير الشرعي” يُهدد الأسرة العراقية ويُفاقم التشرد والبطالة بين الأطفال.

وفي (2 كانون الأول 2021)، أصدر مجلس القضاء الأعلى، توضيحاً رسمياً بشأن الزواج خارج المحاكم، حيث أكد في وقتها أن محكمة الأحوال الشخصية ملزمة بتصديق عقد الزواج الواقع خارج المحكمة بتوفر شروط، مشيراً إلى أن تجريم العقود المبرمة خارج المحاكم، من اختصاص السلطة التشريعية باعتبارها الجهة المختصة بتعديل المواد القانونية النافذة.
بدوره، يحذّر الصحفي العراقي محمد الخالدي من الآثار الاجتماعية الخطيرة للزواج غير الشرعي أو غير الموثق في المحكمة، مشيراً إلى أن هذه الظاهرة باتت تُشكل تهديداً مباشراً لاستقرار العائلة العراقية ولمستقبل الأطفال الذين يولدون في ظل غياب الوضع القانوني لزواج والديهم.
وفي حديث لـ “سبوتنيك”، يضيف الخالدي، أن “الأطفال الناتجين عن زيجات غير مسجلة رسمياً يواجهون تحديات كبيرة تبدأ من صعوبات في التسجيل بالدوائر الحكومية، وعدم إمكانية دخول المدارس، ووصولًا إلى خطر التشرد والضياع”، مضيفًا أن “غياب الاعتراف القانوني بزواج الوالدين يحرم الطفل من الهوية الرسمية والحقوق الأساسية، ما يجعله عرضة للهشاشة الاجتماعية والاقتصادية”.
ويؤكد الخالدي أن “الزواج المبكر وغير الموثق هو نتيجة مباشرة لـ ضعف الوعي القانوني والاجتماعي لدى المتزوجين”، مشدداً على أن “العديد من هذه الزيجات تتم دون إدراك للعواقب الخطيرة التي تترتب عليها، لا سيما فيما يتعلق بحقوق الزوجة والطفل”.

ووفقاً للصحفي العراقي، فإن بعض المذاهب الفقهية تسمح بهذا النوع من الزواج شريطة أن يتم توثيقه لاحقاً لدى المحكمة الشرعية، التي تضمن حفظ حقوق الأطراف، موضحاً أن تجاهل هذا الإجراء يحوّل الزواج إلى علاقة هشة قانونيًا وغير معترف بها رسمياً.
ويشير الخالدي إلى أن هذه الظاهرة تُسهم أيضًا في زيادة نسب البطالة والتشرد والضياع بين الأطفال، وتؤدي إلى تفكك الأسرة وخلق جيل لا يملك انتماء قانونيًا واضحاً، فيما يؤكد أن “الطفل الذي لا يعرف حقوقه أو لا يستطيع إثبات نسبه أو دخوله إلى المدرسة هو مشروع أزمة مستقبلية قد تمتد لعقود”.
حرمان المرأة من حقوقها واستغلالها لأغراض مادية
وتٌعرف منظمة الأمم المتحدة للأطفال “اليونيسيف” زواج القصر على أنه “أي زواج رسمي أو غير رسمي يجمع طفلاً تحت سن 18 عاما بشخص بالغ أو طفل آخر”، وهو ما يشاع في العراق والذي يجبر العديد من العائلات بالزواج خارج المحاكم الرسمية.

وذكرت المنظمة أن “هذه الظاهرة لا تزال واسعة الانتشار، وتصل نسبة الفتيات اللاتي يتزوجن دون الثامنة عشرة إلى 12 مليون فتاة في جميع أنحاء العالم”.
ويؤكد المواطن العراقي مصطفى علي، خلال حديثه لـ “سبوتنيك”، أن “انتشار ظاهرة الزواج خارج المحكمة لا يقتصر فقط على الجوانب الدينية والاجتماعية، بل يرتبط أيضاً بأسباب اقتصادية وممارسات خاطئة تستغل الثغرات القانونية لتحقيق مكاسب شخصية على حساب حقوق المرأة والأسرة”.
ويوضح أن “العديد من حالات الزواج تتم عبر عقود دينية لدى سيد أو شيخ دون توثيق رسمي”، مشيراً إلى أن “هذا النوع من الزواج منتشر بشكل واسع في بعض المناطق العراقية، وغالباً ما يتم اللجوء إليه بسبب البطالة أو غياب فرص التعيين والعمل، إضافة إلى دوافع تتعلق بالحصول على رواتب الرعاية الاجتماعية، حيث يُسجّل الزوجان كغير متزوجين للاستفادة من الامتيازات”.
ويلفت مصطفى إلى أن “هناك من يبرر الزواج خارج المحكمة بوجود شهود أو عقد ديني، معتبرين أنه كافٍ لحفظ الحقوق، لكن في الحقيقة، هذا النوع من الزواج لا يوفر أي حماية قانونية للمرأة، ولا يُعترف به في المحاكم عند حصول أي نزاع”.
الزواج خارج المحكمة يحرم المرأة والأبناء من حقوقهم
وعلى الصعيد القانوني، يقول الخبير العراقي علي التميمي، إن “قانون الأحوال الشخصية العراقي رقم 188 لسنة 1959 ينظم شروط عقد الزواج، ويهدف إلى حماية أطراف العلاقة الزوجية قانونياً وشرعياً”، مشيراً إلى أن “الزواج خارج المحكمة يشكل تهديداً للأسرة العراقية، ويُعد مخالفة قانونية تستوجب العقوبة”.
ويضيف التميمي، خلال حديثه لـ “سبوتنيك”، أن “من أبرز شروط عقد الزواج وفقاً للقانون بلوغ الطرفين سن النضج، ويجوز للقاضي الإذن بزواج من أكمل سن الخامسة عشرة، بموافقة الولي الشرعي، مع ضرورة تحقق الإيجاب والقبول في مجلس واحد، وهي من الشروط الجوهرية لصحة العقد”، لافتاً إلى أن “الزواج يجب أن يُبرم داخل المحكمة لضمان توثيقه بشكل رسمي، إذ إن قانون الأحوال الشخصية – المادة 10/فقرة خامساً – يعاقب من يعقد الزواج خارج المحكمة، وتتراوح العقوبات بين الغرامة المالية، وفي بعض الأحيان تشمل إجراءات قانونية أخرى، إلا أن البعض لا يزال يتجاوز هذا الإطار القانوني، مستغلين بعض الثغرات أو العفو العام لتجنب المحاسبة”.
ويوضح التميمي أن الزواج غير الموثق في المحكمة يؤدي إلى مشكلات خطيرة، منها ضياع حقوق الزوجة في حال حدوث خلاف أو انفصال، إذ قد ينكر الزوج الزواج أو التزاماته، صعوبة تسجيل الأطفال في الدوائر الرسمية، ما يضطر الأم إلى رفع دعاوى إثبات نسب، فضلاً عن عدم ضمان النفقة أو الحضانة، ما يُعرض المرأة والأطفال إلى ظروف معيشية قاسية.

وفي (2 كانون الاول 2021)، أصدر مجلس القضاء الأعلى قراراً يُلزم محاكم الأحوال الشخصية بتصديق عقود الزواج المُبرمة خارج المحكمة إذا توفرت الشروط القانونية، مؤكداً أنه لا يجوز رفض التصديق قانوناً.
وأوضح المجلس أن المادة (10) من قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 تنص على ضرورة تسجيل عقد الزواج لدى المحكمة المختصة، وتفرض عقوبة الحبس والغرامة على من يعقد زواجه خارج المحكمة.
وأشار أيضاً إلى أن المادة (9) من القانون تمنع إكراه أي شخص على الزواج، وتعتبر العقد باطلاً في حال حدوثه بالإكراه دون دخول.

وكالة سبوتنيك