الحرية السائدة في الغرب، سواء في أوروبا أو أمريكا، تمثل شيئًا رائعًا ومثيرًا للإعجاب.

الحرية السائدة في الغرب، سواء في أوروبا أو أمريكا، تمثل شيئًا رائعًا ومثيرًا للإعجاب.

بعيدا عن الممارسات السياسية للحكومات الغربية، الحرية الموجودة في الغرب، في أوروبا وأمريكا أمر مثير للإعجاب والانبهار.

بسبب الصدام مع الغرب السياسي والذي يحاول أن يهيمن ويسيطر علينا ويستعمرنا ويقهرنا، ويستخدم القوى اللبرالية في عالمنا كأدوات لإختراق المجتمعات، أصبح عندنا نوع من الحساسية تجاه كل قيم الغرب، وأصبحنا نفكر: ربما النموذج الديمقراطي ليس هو النموذج الوحيد الممكن، لماذا لا نجرب النظام الشمولي الصيني أو نظام مشابه؟

ولكن حينما أشاهد أكاديمي أو مفكر غربي يتكلم بحرية ضد سياسيات بلاده وأقارن ذلك بالصين وروسيا أو إيران، أشعر بتفوق الغرب، في هذا الجانب.

الحرية الفردية قيمة إنسانية لها جاذبيتها. ولكن المعارك الوجودية للمجتمعات قد تحتم عليها تقييدها؛ حقيقة مرة، ولكنها حقيقة. فأنا لا ألوم دولة مثل الصين على نظامها الذي اقتضه ضرورات وجودها وبقاءها واستمرارها كأمة قوية أصبحت تنافس الولايات المتحدة في صدارة العالم، لا أعتبر أن النموذج الغربي هو النموذج الصحيح الممكن والضروري لتطور الأمم والمجتمعات.

فإذا قلت لي صمم نظاما لمجتمعك يقوده للنهضة والقوة والتطور، فلن آخذ الحرية الفردية كمسملة مطلقة لا تقبل التفكير؛ بل ستحتل الحرية الفردية كمبدأ مكانتها بقدر ما ستسهم في تحقيق الهدف الكلي والنهائي لهذا النظام كما أتصوره. فإذا كان الهدف يقتضي تأخيرها في سلم الأولويات أو التخلي عنها جزئيا أو حتى كليا، فليكن ذلك. صحيح يمكن أن نجادل بأن الحرية ضرورية لنهضة وتقدم أي مجتمع، ولكن هذه ليست حقيقة مطلقة ونهائية، هي فرضية قد تصح في سياق معين ولا تصح في سياق آخر، بمعنى هي أمر خاضع للنقاش والتفكير.
أن تحتفظ بمسافة نقدية من الحرية نفسها، بمعنى أن لا تؤمن بها بشكل أعمى كمبدأ لا يقبل الشك، هو أمر ينطوي على تناقض بالطبع، لأن الشكيك في الحرية يعني تقبل نقيضها، ولكن هذا الشك، على الرغم من أنه شك ضد الحرية، إلا أنه في حد ذاته تعبير عنها، وهنا يكمن التناقض.

ولكنه ليس تناقضا ملغزا بلا حل؛ لأنه تناقض بين مجالين مختلفين، مجال الفرد الذي يفكر في الحرية لنفسه كشيء يرغب فيه، ومجال المجتمع/الشعب/الأمة الذي يفكر في البقاء والاستمرار والتقدم. في المجال الأول نفكر بمنطق الرغبة، ولكن في المجال الثاني نفكر بمنطق الضرورة.

صحيح أن الضرورة قد تقتضي الحرية، ولكن ذلك ليس أمرا حتميا، فقد تقتضي الضرورة العكس. هذا يحدده الواقع والسياق.
ولكن الرغبة هي دائما مع الحرية.

حليم عباس