يوم الاحتفال قد انتهى

(١) صديقنا الراحل المقيم سعدالدين إبراهيم صاحب (عن حبيبتي بقولكم) والتي جاء شعر (يلا اضحكوا كلكم) و(العزيرة الما بتسأل عن ظروفنا) و(النشوف اخرتا) وغيرها من الدرر المنثورة استحلف الزملاء الصحفيين ذات عيد بأن لا يرددوا قول المتنبي (عيد بأية حال عدت ياعيد… بما مضى ام لأمر فيك تجديد) لأنه في تقدير سعد أن هناك سؤ فهم وبالتالي سؤ استخدام لهذا البيت الذي مرت عليه القرون وهو مازال صامدا لم يزحزحه عن عرش شعر الأعياد مزحزح.. فالمتنبي عندما قال هذا البيت كان طريدا هائما على وجهه.. في بيداء دونها بيد… امسها كيومها ويومها كغدها… ليس أمامه اي مظهر من مظاهر العيد ولكنه مع ذلك استوقفه يوم العيد فبكى الأحبة ومظاهر العيد الاجتماعية وهذا يشي بأن العيد أمر ينبع من الداخل أيضا وليس من المظاهر الخارجية فقط بمعنى أخر أن المتنبي طرق على الجانب الذاتي دون إهمال للبعد الموضوعي ومن لغير المتنبي القدرة على التعبير عن خلجات النفوس ويكفي أن العلامة عبد الله الطيب كان عندما يقول قال الشاعر فإنه يشير للمتنبي ولا أحد غيره كما كان يفعل ابو العلاء المعري الذي كان هو الاخر لا يرى شاعرا غير المتنبي
(٢)
في العيد الذي ولى أمس كان بريدي منقمسما إلى قسمين… كل الرسائل
التي جاءتني من داخل السودان كان أصحابها يعيشون العيد وما فيه من شية وشربوت وافراح أطفال وخراف معلقة للسلخ واستعداد لأعراس وازقة تموج بالناس وهو يعيدون على بعضهم (الناس مرقت وعيدت علي
أصحابها) كما غنى عكير الدامر.. اما القسم الآخر من البريد فقد كان حائط مبكي لأنه جاء من سودانة الشتات.. كلهم تمثل قول المتنبي ومطلع قصيدة عكير (يا مولاي اه من غلبي) وبالطبع كنت منهم وأشهد الله أن الدمع تحجر في مقلتي ففعيد رمضان الأخير كانت الدموع سخية إذا نزلت مني وارتاحت على قول الحلنقي (ورجعت خليت الدموع يرتاحوا مني وينزلوا) اما هذا العيد فقد استعصت فيبدو أن التدافع الشديد جعلها ترتمي على بعضها البعض وتقفل السكة
لعل أبلغ رسالة جاءتني من إحدى بناتنا الصحفيات النابهات صغيرات السن كبيرات العقل تناديني ب (ياخال).. رمت بها الحرب في المنافي حيث قالت إنها من شدة معاناتها في يوم العيد نتيجة بعدها من مضارب الاهل في منطقة المناقل عندما حل المساء تنفست الصعداء وحمدت الله كثيرا أن يوم العيد قد انتهى وعادت إلى أوقات اللاعيد.. لقد كانت تحمل عبئا ثقيلا طوال يوم العيد قوامه لواعج الذكرى وفرط الحنين وبانتهاء يوم العيد عادت إلى عذابات غربتها العادية ويالها من رحلة شعورية طويلة ومرهقة بين أمرين أحلاهما مر .. لك الله يابنتي
رحاب فضل السيد فقد عبرتي عننا جميعا بقولك (الحمد لله يوم العيد انتهى) وان من البيان لسحرا
(٣)
من خلال رسائل الاحباب في المنافي أجزم بأن هناك موجة عودة طوعية عاتية سوف تعقب ايام العيد هذا حتى ولو تحول السودان كله … لا سمح الله… إلى نار و شرار… النيران التي اشعلها العيد في الوجدان لا تقاوم…ليت أهل السياسة في بلادي يدركون هذا الحب الجارف الذي يحمله السودانة لوطنهم فيضعوا الرحمن في قلوبهم و(يختوا الشايلنها) من حب الرياسة والسيطرة ويجلسوا إلى مائدة واحدة ليسدوا بها الطريق علي المتربصين بهذا البلد الجريح.. يا أيها الساسة رطبوا دواخلكم الجافة بدموع سودانة المهاجر وانسوا الصراع على السلطة حتى لايضيع الوطن على الجميع بما فيهم انتم
لكن قل لي ياصاح من يسمع ومن يقرأ
ويلا ابكوا كلكم..
عبد اللطيف البوني
حاطب ليل/٧يونيو ٢٠٢٥