ليالٍ وأيام عشناها في ظلام جبال ريف سلارا

علمتنا كيف نصبر ونحتسب
أيام وليالٍ قضيناها في ظلام الجبال في ريفي سلارا
أبو عاقلة محمد أماسا
* اعتدت على الظلام في زياراتي المتكررة لجبال النوبة، ومكوثي لأيام على أرض أجدادي، حيث لا أحد هناك يحلم بالأنوار والإضاءات بعد مغيب الشمس، والكهرباء مازالت خرافة لا يصدقها البعض.
* كنت انتظر وقت صلاة العشاء بفارغ الصبر وبعدها لا شيء يؤخرك عن فراشك، إذ أن ظلمة المكان لا تضاهيها سوى ظلمة القبر.. ولئن مددت يدك أمامك لن ترها.. لذلك تكون مجبراً على إكمال كل طقوس المساء قبل أن تترك الأرض للهوام من ثعابين وعقارب وبعض الأشياء التي لا نعرفها.
* بعد المغرب تذهب كل الكائنات إلى أوكارها والطيور إلى وكناتها، وكنا ونحن صغاراً في ذلك المكان عندما نزوره في إجازات المدارس نترقب ساعة مابعد المغيب وقبل النوم، عندما تأتي تلك (البومة) وتستقر أعلى شجرة حراز ماتزال مجاورة ل(قطية) أمي، وعندما تطلق صوتها المرعب ذاك لا نكون بحاجة إلى من يتحايل علينا لننام..!
* كنت أعاني الأمرين عندما أصحو وأجلس في منتصف السرير معتقداً أن الفجر قد حان، وامد يدي لإخراج الهاتف ورؤية الساعة في وقت لا تفرق بين فتح أعينك او تركها مغمضة، وعندما تنظر إلى الساعة تجدها تشير فقط إلى الثانية عشرة منتصف الليل.
* هذا التوقيت بالخرطوم في أغلب الأيام كان هو زمن الفراغ من الإلتزامات الصحفية، ووقت توجهنا إلى مطعم الفول لتناول العشاء مع بعض رفاقي، ومن ثم أعود إلى بيتي، وفي الطريق أتناول رغيف الخبز من مخابز حي العرب قبل أن ادخل بيتي وقد اقترب الناس من الإستيقاظ لصلاة الصبح..!
* ماذا أفعل الآن وقد صحوت في منتصف الليل في مكان لا ترى فيه غير الظلام؟.. هل تستطيع النزول والوضوء لتصلي؟.. هل تستطيع أن تفتح كتاباً لتقرأ؟..كل تلك الخيارات ليست سوى حلم مستحيل فللأرض أسياد بعد المغرب وحتى ساعات الصباح.. والخيار المثالي أن تقرأ ما تيسر من القرآن والأدعية عسى ربك أن يثوبك أجراً يعوضك.. فتقرأ ماستطعت أن تقرأ.. ثم تتأمل.. وتتذكر وتتثاءب لتنام نصف ساعة او ساعة بعد ذلك إن استطاع النوم إليك سبيلا..!
* تلك هي طبيعة حياة الناس هناك، وقد عشقتها لبساطتها ولما فيها من راحة نفسية وأبعاد لا تتوافر في المدينة..!
* الآن ومع هذه الحرب التي فرضت على السودان أجمع، يكاد الناس قد تساووا في هذه الظروف لحكمة يعلمها الله وحده، فوجدت نفسي وفي قلب الجزيرة.. على امتداد ساعة وثلث من الخرطوم أتحمل مايقارب خمسة أشهر من الظلام الدامس وغياب الكهرباء بعد أن دمر مجرمو الجنجنويد كل المحولات ولم يتركوا مسجداً ولا محطة مياه إلا دمروها.. ولم أتضايق ولم أشتك أو اتألم.. وقد بدأت الآن في العودة التدريحية بعد معالجات مضنية قام بها عمال ومهندسو الكهرباء وجب علينا الحمد.. الحمد والشكر آناء الليل وأطراف النهار.. أنا ومن معي بالجزيرة.. وأصدقائي بأم درمان لأنهم لم يكونوا من مواطني ريفي سلارا.. فلتحمدوا الله أن الكهرباء تأتيكم لساعات وهنالك من يبذل فصارى جهده لتعود الخدمة كما كانت وأفضل..
مزمل أبو القاسم