ثنائية الثورة والسلطة

حين ثار شريف مكة وأحرار العرب على حكم جائر ضل طريقه، لم يكن ذلك تمرداً عابراً، بل كان انبعاثاً لهوية عربية سلبت، وصوتاً للكرامة في وجه طغيان استباح دماء الأحرار وتنكر لقيم الأمة. حينها، لبى شريف مكة والحجاز النداء، فوقف مع المظلومين بلا تردد وقدم الغالي والنفيس، حتى فقد أبناءه وأحفاده في ميادين القتال.
من رحم تلك الثورة ولدت رسالة ما زال يحملها الهاشميون حتى يومنا هذا، تجذرت في الأردن وطن الأحرار، واستقرت في ضمير الدولة التي أرادها الملك المؤسس عبد الله الأول طيب الله ثراه أن تكون وفية للعروبة، متجذرة في الإسلام، منفتحة على الإنسانية.
منذ تأسيسه، سمي الجيش الأردني بـ”الجيش العربي”، وهذا الاسم لم يكن محض توصيف، بل تعبير عن التزام عميق برسالة الثورة العربية الكبرى وتجسيد لهوية الدولة الأردنية كامتداد للأمة وهمومها. ومن ذلك الحين، ظلت البوصلة الأردنية تتجه نحو خدمة الإنسان العربي، والدفاع عن كرامته، وتجسيد مبادئ الثورة قولاً وفعلاً.
وفي صلب هذه المبادئ كانت النظرة للإنسان بوصفه القيمة الأعلى، فكرامة الإنسان الأردني وحقوقه وقدرته على البناء، كانت وما زالت جوهر المشروع الوطني. ولهذا أصبح الاستثمار في الإنسان الأردني محوراً أساسياً لكل خطط التنمية والتحديث، إيماناً بأن النهضة لا تبنى إلا بعقول وسواعد الأحرار.
تمر بنا في هذه الأيام مناسبات وطنية عزيزة من عيد الجلوس الملكي، إلى ذكرى الثورة العربية الكبرى، وصولاً إلى عيد الجيش. هذه المحطات ليست مجرد تواريخ في الروزنامة، بل محطات وعي تدعونا لاستلهام العزيمة وتكريس ما تحقق والبناء عليه للوصول بالأردن إلى آفاق أرحب من الرفاه والتقدم، بروح تعتز بالماضي وتؤمن بالمستقبل، وتواصل مسيرة الحكم المستنير بثوابت الثورة وقيمها النبيلة.
د.امجد أبو جري آل خطاب – وكالة عمون الإخبارية